عادل… الحضور بنكهة البساطة

كان لافتاً حجم التشييع النوعي، والحضور الجماهيري من مختلف الطيف الاجتماعي في مجالس العزاء لفقيد عاش بين الناس بهدوء وبساطة، لم يتميز بين الناس بشيء من المظاهر الحياتية الملفتة للنظر والمثيرة للدهشة والانبهار!

“عادل” عبر الحياة بصمت غير أن غيابه أحدث ضجة ورسم علامات حزن صادقة في الوجوه، وحرقة في قلوب كل من عرفه والتقاه من داخل تاروت وخارجها.

المتغيرات الكثيرة والمثيرة والتحولات الكبيرة والطابع التقني الذي طبع سلوك الناس لم يعره عادل أي اهتمام، ولم يطمع في شيء منه، ولم يبدِ أي رغبة في اقتنائه والنزوع إليه.

الإسراف في المظاهر الخادعة واللهث وراء أحدث وسائل التقنية وأسرعها انتشارا ووصولا للجماهيرية سرقت منا البساطة، فتصورنا أن الإلهام والتأثير والحضور المبهر رهن امتلاك أدوات ووسائل باهظة القيمة غالية التكاليف، حضور ننسلخ فيه من ذواتنا وثقافتنا وقيمنا ومبادئنا.

وحده “عادل” غرد خارج السرب، وحجز له موقعاً جماهيرياً ومتابعين دون أن تكون له منصة يغرد فيها، وصفحة وموقع إلكتروني يحصد منه لايكات الإعجاب الباهتة والمتكلفة!

ليست دعوة للانفصال عن الواقع والرجوع إلى الماضي، لكنها صرخة من أعماق إنسان عاش بفطرته الإنسانية النقية، وتحرك بعفوية صادقة مكنته اختراع طريقة حبٍ يغرد فيها بلا كلمات!

دون تصنع وتكلف، وبلا مظاهر خادعة، لم يكذب ولم يخدع ولم يتملق ويصانع ..

التزم الصدق والوضوح في علاقاته الاجتماعية المحدودة، وكان أكثر ما يغضبه ويثير حفيظته عندما يمس أحدهم كيان هذه العلاقة بكلمة أو موقف !

الإلهام لا يتحقق ويتحرك من خلال موقع اجتماعي وشهادة علمية ومنصات تواصل وتقنيات حديثة ومظاهر فارغة من أي مضمون قيمي وأخلاقي وإنساني، فهي أشبه بصرخة في واد ونفخة في رماد سرعان ما تتلاشى وتذوب، عندما تكون مفرغة من الإحساس والصدق، ومجردة من البساطة والعفوية.

رسالة واضحة المضامين عميقة المحتوى رغب عادل ان يوصلها دون ضجيج وهو يغادر هذا العالم المشحون بصور الزيف وبريق الصور الجافة وصخب المواقف المتكلفة {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض}.


error: المحتوي محمي