استشهد الاختصاصي النفسي ناصر الراشد بقوة تأثير الكلمة على الأبناء، بحدثٍ شخصي حصل له حينما حضر مرة محاضرة لأحد المعالجين الإكلينيكيين في التربية، حيثُ سألهُ بعد انتهائهِ من المحاضرة: “هل يوجد فيك خصلة سيئة تعترف بها؟”، فأجابه: “نعم، فأنا أكره البرتقال، فالبرتقال يذكّرني بطفولتي، لقد كنتُ في أحد البساتين فاقتطفتُ لي برتقالة وقشّرتُها فاتسخت ملابسي من عصيره، فلما رآني والدي هاج غضبهُ علي فقال لي: أنت غبي، أنت لا تفهم، ما هذا؟؟ ألا تعرف أن تأكل جيدًا؟!! وإلى يومك هذا والموقف يتموّجُ في حياتي، فبمجرد أن أرى البرتقال يتكدّرُ خاطري، وإذا أردت أن تقلبَ مزاجي إلى مزاج سيئ احضر لي برتقالة”.
جاء ذلك في محاضرة “تنمية مشاعر الأبناء”، التي نظمتها جمعية البر الخيرية بسنابس يومي الثلاثاء والأربعاء 24-25 جمادى الآخرة 1441ھ وقدمها الاختصاصي النفسي راشد الناصر، وحضرها عدد من الرجال والنساء.
نربّيهم للعالم
وقال “الراشد”: “إننا لا ينبغي أن نربي أبناءنا لأنفسنا بل للعالم، فابنك اليوم هو زوج الغد، والصديق، وفرد المجتمع”.
التربية صناعة
وأضاف أنّ التربية عبارة عن صناعة، فالرعاية المفسدة تصنع شخصية متسلطة نرجسية ترى نفسها على كمالٍ دائم، كما أنّ الطفل الذي يتربى في بيئة غاضبة يستجيب بيولوجيًا للمواقف الضاغطة بشكل مستمر.
قوة الكلمة
وأوضح أن الكثير من الناس يعيش وعنده علامة تجارية أطلقها عليه أحدهم، فكبُر وهو يعتقد أنه لا يستحق الكثير “أنا غبي، أنا أحمق، أنا لا أتعلم”، وغيرها الكثير من الكلمات التي دمرت الأطفال، مشيرًا إلى أن هذه العبارات لا يجب أن يسمعها أطفالنا في حياتهم، خاصة عبارات عدم القدرة والاستطاعة، ومن أمثلتها: “أنت مجرد خطأ، أنت دائمًا فاشل، كنت أودّ أن تكون مثل أخيك”، والتعليقات السلبية ومساومة الطفل على الحب وغيرها من الأمور.
وضرب مثلًا بحادثة قريبة حصلت له، حيث تقدم له أحد المتزوجين حديثًا يشكو من غضب زوجتهِ الدائم، وباطلاعٍ بسيط اكتشف “الراشد” أنّ هذه الزوجة كانت في طفولتها ترى الصراعات من حولها بين أمها وأبيها، وعندما أصبحت زوجة طفت نفسيتها الغاضبة على حياتها الشخصية مخافة أن تكون كأمها.
أسرتك في قائمة الأولويات
وشدّد على أن تكون الأسرة في قائمة الأولويات، واستعمال كل مهارات التعبير عن الحب اللفظية والجسدية، وأساليب التشجيع الجسدي في التعامل مع الأطفال، كالابتسامة الدائمة والاحتضان ومسك الأيدي والمسح على الرأس والتربيت على الكتف.
كيمياء المشاعر
وعن كيمياء المشاعر، قال “الراشد”: “ليس الضرب والصراخ وحدهما يؤديان إلى تمزق خلايا الدماغ، ولكن غياب اللمسات وغياب التواصل يؤدي إلى ألا تنمو أصلًا”.
وأضاف: “إن أول تجربة حب وأعمقها تكون مع الأم، ومنها ينمو الذكاء العاطفي، ولذلك فإن الرفض والإهمال العاطفي والمعرفي يؤدي إلى شخصيات غير مكتملة، فالتربية ينبغي أن تصب في مصب المشاعر أيضًا، وليس هناك أطفال يولدون خائفين من الإقدام والنجاح، ولكننا من نصنع ذلك أو العكس”.
واقصد في مشيك
وختم “الراشد” حديثه قائلًا: “إنّ توفير الدفء والحب والمواساة والمعانقة والمدح واللعب وإبراز الثقة وغيرها أمور عمودية للتربية، وعلى الوالدين التركيز في الأهداف النفسية لأبنائهما”، مدللا على ذلك بالآية الكريمة: {واقصد في مشيك}، التي تشير لوضع الأهداف، مبينًا أن الأهداف المشتركة للوالدين بعيدة المدى قد تحتاجُ إلى وقت لكنها جوهرية الوالديّة.