منذ ولادته الأولى، فتح عينيه على الحياة، لا يعلم ماذا ينتظره؟ عيناها تبحث عنه في الأروقة؛ لعلها تظفر بظله، أو شيء، تلمسه، ليكون في يديها وحضنها، بعد ثلاث ساعات، بعدها، لا ظل ولا ضحكة عابرة، أو بكاء طفل، قرابة العشرين عامًا، لا تعلم شيئًا عن ملامح وجهه، تتجرع الألم والغصص على فراقه. الفقد، الذي جاء بغتة، والآن، بعد مرور كل هذه السنوات، وبين دعائها -الأم-، على سجادتها، ونبضات قلبها، التي لا تنفك، تهمس في كل وجدانها، بأن اللقاء قريب، كلما مر يوم، يخبر سابقه، بأنه يوم جديد قادم، يتجدد فيه الأمل، للحظة لقاء. هي اللحظات الحُبلى بكل شيء، ليست، كباقي اللحظات، تعجز الكلمات عن توصيفه، عن الدخول في عمق ذاتها، كنه مشاعرها، والأم في عناق طفلها، الذي كبر، وترعرع بعيدًا عن أناملها، قلبها عينيها الذابلتين، إلا من عنفوان الأمل بالتوكل على الله سبحانه وتعالى.
إن الكلمات، كغربة اللحظة حينًا، تتوسد البكاء بين أحرفها، تذرفها الدموع، وجنتيها حمراء من لفح الآه، وأعانقها حينًا آخر، تحمل بين زواياها، وملء الإحساس، لحظة سعادة، يغمرها اللقاء. يا له من عناق، طال أمده مسافات، وما المسافات في الشوق، إلا شوق، لا تحده المسافات، ولا تحتويه، إنه في قلبها، لم يفارقه، تعيشه، مع كل نبض، مع كل لهفة شوق، مع لحظة الذكريات الأولى. أن تعيش الأمل، متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، تنتظر لطفه، شعور تسمو به الأنفس المؤمنة، التي لا يدخل اليأس قاموس حياتها، ليُهيئ الله سبحانه وتعالى بقدرته الأسباب، يرده لها بعد قرابة العشرين عامًا.
يا أم “موسى”، قرة عينيك، وقرة عيون محبيه، الذين اشتاقوا إليه، من أبيه، وأسرته، قرة عيون مجتمعه، الذي عاش تفاصيل فراقه بعد عشرين عامًا، يترقب اللحظة، التي يراه بين ملامحكم وقلوبكم، يجده في أسرته، التي شاء الله سبحانه وتعالى، أن يكون بينهم، ويطبب جراح الفقد، التي عانوها سنينًا طوالًا.
وها نحن ننتظر عودته، شكرًا لكل الذين اجتهدوا، ليعود “موسى”، إلى أهله مرة أخرى، شكرًا إلى الجهات الرسمية على كل ما بذلته في هذه القضية، وحفظ الله الجميع من كل شر.