تطرقت في مقالة سابقة إلى دور المضافات الاصطناعية وعلاقتها بالمشكلات الصحية، وما بين الحين والآخر نحتاج إلى توضيح مساوئ تلك المضافات على الأطعمة المعدة للأطفال، لعلنا نستطيع حماية فلذات أكبادنا من مضارها.
من أجلهم نقدم هذه الإطلالة التي نحاول من خلالها تغيير النمط الغذائي الخاطئ، ورفع قدر من المعاناة التي يتعرض لها أطفالنا نتيجة تناول الأطعمة المليئة بالإضافات الاصطناعية، وعلى تبني الغذاء الصحي المتوازن الذي يقدم لنا أجيالاً صحيحة الفكر سليمة الصحة وتحمي أطفالنا بإذن الله من الكثير من الأمراض.
هناك ظواهر سلوكية غريبة تظهر على الأطفال يسميها الأطباء ازدياد النشاط أو ظاهرة الطفل الشقي أو اضطرابات التركيز أو إصابات المخ الخفيفة، وقد يسميها علماء التربية بالاضطرابات التعليمية، وأهم أعراضها الظاهرية فقدان التركيز والهيجان الشديد، ومن بين الأعراض الأخرى التي رصدت لهذه الظاهرة اضطرابات اجتماعية تعليمية وسلوكية واختلال في عادات النوم واليقظة والأكل، فما هي أسباب هذه الظاهرة؟
هناك عدة مؤثرات لفرط النشاط لدى الأطفال منها الآثار الجانبية لبعض الأدوية، وارتفاع معدل الرصاص في دم الأطفال، وهناك بعض المضافات الغذائية التي تسبب تلك الاضطرابات المذكورة.
المضافات الغذائية تشمل مواد الحفظ وتحسين اللون والنكهة والقوام وغير ذلك من القائمة ظهر في بعضها ما يسمى المضافات الخطرة على الصحة، والخطورة هذه تبدأ من الأمراض البسيطة مثل الغثيان والإسهال وتنتهي إلى السرطان والعياذ بالله.
وقد مر على سلوك الناس حيال هذه المضافات الاصطناعية مراحل كان فيها الخوف من مجرد ذكر اسمها إلى التسيب المطلق وأنه لا ضرر منها، حتى وصلنا إلى الآراء المعقولة وهي أنها ليست مضرة كلها، وبعضها مفيد، وقد يكون ضرورة مثل مضافات حفظ الأغذية، وحتى ما هو مضر منها لابد أن يرضخ لما يسمى الجرعة أو الكمية المضرة منها، فبعضها ضار حتى ولو كان أجزاء في المليون، وبعضها ضار إذا زادت النسبة بصورة كبيرة، وهكذا ما زالت الأبحاث تخرج لنا كل يوم بالجديد حول هذه المضافات.
المضافات الغذائية نرى رموزها ضمن مكونات بطاقة المنتج الغذائي ونسمع عنها، ولكن ماذا عن مخاطرها الصحية، وهل نحن في مأمن من هذه المواد؟
هل هناك ضوابط في استخدامها في المنتجات الغذائية أم أن الأمر متروك لاجتهادات شركات التصنيع التي قد تقود لأخطار صحية دون علم المستهلك؟
الأطفال يقبلون على تناول الحلويات والمأكولات الخفيفة، يحبونها بشهية مفرطة، يفضلونها على الأغذية المفيدة، لكونها تحتوي على إضافات تجعل الطفل يشعر بطعم خاص، ومذاق مميز، تشده دون ملل، من هذه المضافات معزز النكهة أحادي جلوتاميت الصوديوم – MSG (E621)، الذي ثبت تاثيره على خلايا المخ.
هذه النوعية من المأكولات تزيد شهية الطفل كتأثير جانبي لاحتوائها على مواد كيميائية تسبب تلفاً لخلايا الدماغ في الجهاز العصبي وبالتحديد مركز الشبع وينتج عن ذلك الفرط في الشهية، وضعف في الإرادة اتجاه هذه الأطعمة، يأكل أكثر ودون أن يشعر!
كثير منا لا يعرف ما الذي يعنيه مفهوم الشبع وأن هناك بعض الوقت حتى يشعر الإنسان بالشبع وحتى تصل بعض الإشارات للمخ التي تدل على ذلك.
في مواصفة “المواد المضافة المسموح باستخدامها في المواد الغذائية ( GSO 2500/2015)”، وفي بند اشتراطات إضافة المواد الملونة الاصطناعية التالية E110 / E102 / E122 / E129، يكلف المستورد بوضع عبارة تحذيرية (قد يكون له تأثير سلبي على النشاط والتركيز لدى الأطفال) أسفل قائمة المكونات على بطاقة المنتج، وقد لا يسمح بإضافة جميع الألوان الاصطناعية في أغذية الأطفال حسب مشروع المواصفة المحدثة.
هناك نقطة هامة وهي أن الطفل يحب الحلويات والوجبات الخفيفة “شيبس” والوجبات سريعة التحضير “نودلز” والمشروبات الغازية والعصائر والمشروبات المصنعة ويدمن على تناولها، ولعل ذلك من أهم العادات الغذائية السيئة، مأكولات غير صحية مليئة بالإضافات الاصطناعية لها آثار ضارة على الأطفال، هذه الأطعمة الشهية لا يستطيع الآباء والأمهات إقناع أطفالهم أو إبعادهم عن تناولها، قد ترضخ الأم وتشتري لطفلها ما يريد من أجل إسكاته من الصراخ، وقد يحصل عليها من مقصف المدرسة أو الدكان المجاور للمدرسة، أو من أصحابه، والمسألة تنتهي بفشل الأم وانتصار الابن، وكل أم تملك في داخلها رغبة عميقة في إسعاد ابنها لذلك لا تستطيع حتى أن تحدد كمية ما يأكله الطفل من تلك الأطعمة الملونة والمقرمشة والتي تعطي الطعم والنكهة المميزة.
نحن في عصر التقنيات، أولادنا ينساقون نحوها سوقاً، حتى في غذائهم، رغم قناعتنا سلفاً بأن الفئة العمرية (3 إلى 12 سنة) مرحلة حساسة، هي الأهم لكي يستقيم فيها عود الطفل جسماً وعقلاً، فكما أنها مرحلة التربية التي يكتسب فيها الطفل الخلق والعادات الحميدة، فهي كذلك المرحلة التي ينمو في الطفل خلالها السلوك الغذائي السليم، إنها المرحلة التي يستقيم فيها ارتكاز العود للمرحلة التالية من العمر المديد بإذن الله.
إن الطفل يتعلم من البيئة أو المنزل السلوك الغذائي المتبع في الأسرة التي يعيش فيها، نحن كآباء وأمهات نلاحظ أن بعض الأطفال يميلون إلى مأكولات معينة، وخصوصاً الأطعمة سريعة التحضير “الإندومي” المنتشرة في جنوب شرق آسيا كالفلبين وإندونيسيا وكوريا والصين، بسبب وجود العمالة الإندونيسية بالذات في بيوتنا والتي لها أثر كبير قوي على أطفالنا لخروج المرأة للعمل وقضاء معظم وقتها خارج المنزل، ويبقى الأطفال في رعاية الخدم والمربيات، فينشأون تحت تأثير سلوك هذا النمط، يكتسب الطفل من خلالها العادة السلوكية الغذائية الخاطئة.
المعيار الدال على الصحة سلوك الطفل نفسه، قلق ومخاوف تثير الآباء والأمهات وترسم في أذهانهم صوراً شتى للكثير من الأمراض والمشكلات الصحية والتي تنعكس بشكل سلبي على علاقة الأهل بأطفالهم وتجعلهم يسيرون على غير هدى في حلقة مفرغة تؤدي في النهاية إلى تدهور فعلي في صحة الطفل.
لا شك أن مسألة ضبط سلوك الطفل وكيفية توجيهه إلى المسار الصحيح عملية تكون في بدايتها صعبة ولكن مع الاستمرار والجهد تصبح سهلة، بتوفير الأجواء المشجعة، ولعل هناك طرق وأساليب عديدة تستخدم في تعديل سلوك الأطفال والتي تقوم على إكساب الطفل الثبات والثقة، كما يكتسب مزيدا من الهدوء في شخصيته، بالإضافة إلى تأديبه مع مراعاة الجانب النفسي.
غالباً ما يستجيب الطفل لأي شيء يرضي طموحه وأهواءه، إلا أن إقناعه بتناول الطعام الصحي السليم في نظر الكثير من الناس ليس بالأمر السهل، لذلك النصيحة هي بالتخلي عن إجبار الطفل على تناول الطعام لأن ذلك يجعله يتمادى في رفضه وعناده.
تحدث مشادات بين الأمهات وأطفالهن عندما يحاولن إطعامهم غذاءً صحياً، لكن ذلك لا يعني أن نترك الأطفال لميولهم، وإنما ينبغي تعريضهم لطعام صحي بالتدريج حتى يتعودوا عليه، مثل تعريض الأطفال للفواكه والخضراوات مند الصغر حتى يتعودوا عليها ويتغلبوا تدريجياً على ميلهم الطبيعي للحلو.
السلوك الغذائي السليم للوالدين يجعل الأبناء يقلدونهم.
هناك خطأ يقع فيه الوالدان هو ترك الطفل لرغباته دون توجيه أو مراقبة، لذا يجب على الوالدين أن يحددوا منهجاً واضحاً أثناء محاولتهم تغيير سلوك أطفالهم.
إن قيام الوالدين بالتوجيه الدائم يكون أكثر تقبلاً عندما يرى الطفل القدوة الحسنة في سلوك والديه، وبهذا يعزز عند الطفل الرغبة في التقليد وتكرار سلوكهم الغذائي السليم، وفي الغالب أن ما نقوم به لا يشجع على ذلك السلوك، قد ننصح الطفل بالأكل الصحي ولا نفعل ذلك نحن كوالدين، وفي الغالب يتناول الأب طعامه بشكل منفرد بعيداً عن أطفاله.
نستخدم طرقاً جذابة تفتح شهية الطفل لتناول الطعام الصحي المعد في المنزل والابتعاد عن مطاعم الوجبات السريعة والمأكولات الخفيفة قدر الإمكان، تخدم تغذية الأطفال.
فعندما يصر الطفل على عدم تناول الوجبة الرئيسة، فإن هناك مورثات تدفعه غالباً إلى ذلك السلوك، ولكن الأمل معقود أن يحب الوجبة المتكاملة في المستقبل، شريطة أن تتغلب المؤثرات البيئية على تركيبته الوراثية الطبيعية.
ولعلاج ظاهرة فرط النشاط يلزم إبعاد الطفل أولاً عن أي غذاء يحتوي على تلك المضافات الكيميائية الضارة، وثانياً يستحسن إعطاء الطفل أغذية غنية بالعناصر المفيدة كمحاولة لتغيير سلوكه المضطرب.
إننا جميعاً كآباء وأمهات علينا واجب الاهتمام بجميع مجالات صحة الأبناء لحمايتهم من أي مرض، ونحاول أن نحفظ صحتهم بأن نعطيهم كل المقويات.
المعيار الدال على الصحة سلوك الطفل نفسه، قلق ومخاوف تثير الآباء والأمهات وترسم في أذهانهم صوراً شتى للكثير من الأمراض والمشكلات الصحية والتي تنعكس بشكل سلبي على علاقة الأهل بأطفالهم وتجعلهم يسيرون على غير هدى في حلقة مفرغة تؤدي في النهاية إلى تدهور فعلي في صحة الطفل.
إننا الآن أمام قوى جبارة تسيطر على طعامنا، وغذاء أطفالنا، والقرار بأيدينا!
نحن مقصرون في المتابعة والاهتمام بتغذية أولادنا.
فالمطلوب الاهتمام بالتربية الغذائية السليمة من أجل صحة أطفالنا وصحة عقولهم وتفكيرهم.
وهنا نجد أن الأسرة التي تتبع نظاماً غذائياً سليماً تجد نفسها في غاية الوضوح مع أبنائها بتعويدهم على الأكل السليم.
الأسرة الواعية الإيجابية تتعامل مع معطيات عصرها بواقعية بعيدة عن المبالغات والمغالطات والجري وراء كل ما يقدمه العصر من ضرر وفساد وسموم، فلا يكفي أن يندب الأبوان شغف صغارهما لشرب المشروبات الغازية وأكل الحلويات والوجبات الخفيفة والسريعة، كما لا يكفي لوم المصانع والمدارس والبقالات، بل لا يكفي أن نرغب أو نسخط من انتشار مطاعم الوجبات السريعة، ونعلن حالة الطوارئ الكلامية والتهويلية مع ترك الحبل على الغارب لأطفالنا للذهاب متى شاءوا والتهام ما شاءوا دون قيد أو شرط بلا وعي أو تربية، ثم نحمل غيرنا الأخطاء ونشن الحملات غير الواقعية والحلول التي سوف نفشل في تطبيقها، إننا في حاجة إلى وعي ودقة تحدد لنا خطورة هذه الأغذية المليئة بالنكهات والأصباغ والمواد الحافظة وغيرها، وأن نربي أطفالنا على كيفية التعامل مع تلك الأطعمة بطريقة صحيحة بعيداً عن مسببات الأمراض.
حتى أحسن التشريعات لن تحمي وحدها أطفالنا، فهذه هي مهمة كل واحد منا، وحين نكون مسلحين بالمعلومات التغذوية الصحيحة، فإننا سنشعر بالثقة بأننا قمنا بكل ما نقدر عليه لحماية أطفالنا.
من أجل بناء جيل سليم خالٍ من الأمراض، ومظهر من مظاهر الصحة والعافية، ولتحقيق هذا وداك نشجع أو نستخدم جميع الوسائل الممكنة في تعزيز السلوك الغذائي المتميز عند الطفل من خلال التوجيه والمراقبة واستخدام الطرق الإيجابية دافعاً نحو النجاح وتحقيق الأهداف.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.