الخطابة فن وعلم له أصوله وضوابطه وهو وسيلة إعلامية لها مجالها الخصب في عالمنا الشيعي، حيث الارتباط بالعترة المطهرة، كما يعد صوتًا ورسالة تصل عن طريقه الكثير من المفاهيم الدينية سواء العقائدية والفقهية أو الأخلاقية.
ولعل المنبر يعد في هذا الزمن من أكبر الوسائل الإعلامية لدى الشيعة، وقد كان من دأب الأئمة (عليهم السلام) ومراجعنا العظام تقديرهم وتوقيرهم أهل المنبر لما لهم من أثر كبير في نشر معارف الدين وعلى رأسها قضية الإمام الحسين (عليه السلام).
وقد تطور المنبر خلال الحقب الزمنية من كونه يصعد عليه المداح أو قارئ للمصيبة إلى أن أصبح وجهًا من وجوه الإعلام المعاصر الذي ينافس وسائل الإعلام المعاصرة بل بدأ يكون ويكّون مدرسة إعلامية مستقلة تخدم شريحة كبيرة من المجتمع، مما حدا بالمنبر أن يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي فلم يعد الخطيب المميز هو ذلك الذي يكون له حضور على المنبر الكلاسيكي، فنجد جملة من الخطباء ممن اعتركوا وسائل التواصل الحديثة وهي خاصية مميزة ممن يحمل الفكر النير والوقاد أن يعترك هذه الوسائل بل من اللازم أن تكون هذه الوسائل هي من هم وهاجس كل خطيب يأمل أن يكون له حضوره في إيصال رسالته إلى المجتمع خصوصا مع انغماس جملة كبيرة من الشباب وتوجههم لمثل هذه الوسائل على حساب المنبر الكلاسيكي.
ولعل من أبرز الشخصيات والخطباء الذين تربعوا على تلك الوسائل هو سماحة الشيخ المرحوم عيسى الحبارة، بحيث تجد له الحضور الكثيف في وسائل التواصل الحديثة فقناته الخاصة في اليوتيوب وصفحته على السناب شات رغم تسنمه وارتقائه للمنبر الحسيني إلا أن حضوره الفاعل في هذه الوسائل جعل منه وجها مألوفاً لدى الشباب
وذلك لامتلاكه المعلومات الكافية من التحصيل العلمي الذي أصل له بطريقته الخاصة في جذب الجماهير وامتلاك الأدوات الجاذبة من بيان ساحر وقدرة على توصيف الحالات الاجتماعية مع طرح العلاج بطرق تنسجم مع فكر الشباب في هذا الزمن.
ومن ميزات الشيخ المرحوم أن حضوره ليس على مستوى الخطابة الكلاسيكية أو المعاصرة بحيث من الواضح أنك تجد لمساته في حل المشاكل الأسرية سواء بين الأزواج أو بين أفراد المجتمع مما جعل له الحضور الواضح، وبيانه الساحر والمعلومات المختزلة التي يقدمها عبر سنابه أو المقاطع القصيرة التي تنتشر عبر وسائل التواصل بين الفينة والأخرى لدلالة على امتلاكه قدرات فائقة، كل ذلك ناتج عن سريرة ونفس طاهرة يتحلى بها.
فرحيله رحمه الله خسارة فادحة للعالم الشيعي ليس على مستوى المنطقة فحسب، نسأل الله أن يعوضنا بمن يسد مكانه ويخلف عليه بالجنة ويحشره مع العترة الطاهرة والذين لم يألوا جهدًا أن يتوقف عن خدمتهم وخدمة الشرع الشريف.