قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤]…
لماذا تتحول حياة البعض إلى حياة ضنكا؟
المعيشة الضنكا تعني حياة الشقاء، حياة القلق، حياة السوداوية، حياة التشاؤم، حياة الإحباط، حياة اليأس، وهي حياة قد يعيشها البعض في مجتمعاتنا.
هناك عدة أسباب وهناك جذور أساسية للإصابة بحالة من القلق والاكتئاب وعدم الاستقرار النفسي، تتمثل هذه الجذور في الخواء الروحي الذي قد يعاني منه البعض.
ويكمن الحل الحقيقي لحالات اضطراب القلب بالعودة إلى الحالة الروحية، لذا رأيتُ من المناسب التعرض لهذا الموضوع بإيجاز من خلال النقاط التالية:
الشهوات سموم قاتلة
روي عن الإمام علي (عليه السلام)أنه قال: الشهوات سموم قاتلات (١).
عندما يمتلئ قلب الإنسان بحب الشهوات بمختلف أشكالها فإنها تترسب مسببة له العديد من الأمراض الروحية، فلكل شهوة سمًا فتاكًا وتراكم هذه السموم تسبب الهموم والغموم والنكد وفقدان راحة النفس وطمأنينة القلب.
وتبدأ هذه السموم من استصغار الذنوب وعدم معرفة نتائجها الوخيمة، روي عن الإمام علي (عليه السلام): أعظم الذنوب عند الله سبحانه ذنب صغر عند صاحبه (٢).
وربما عمل بسيط كنظرة محرمة تكون وبالًا على صاحبها كما قال الإمام علي (عليه السلام): كم من نظرة جلبت حسرة.
ويقول (عليه السلام): من غض طرفه أراح قلبه (٣).
نيتك الخالصة سلام داخلي
النية هي ليست كلمات تتفوه بها عندما ترغب ببدء عمل ما، وإنما هي خطاب قلبي ينبعث من داخلك وينعكس على سلوكك وكيفية أدائك للعمل، لذلك فإن سر السعادة والسكينة والطمأنينة يكمن فيما نملكه في داخلنا.. في ذواتنا أكثر مما نملكه في أيدينا.
ومن أخلص نيته بهذا المعنى فإنه سيجد أثر نيته ونجاح عمله، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): عود نفسك حسن النية وجميل المقصد، تدرك في مباغيك النجاح. وعنه (عليه السلام): من حسنت نيته كثرت مثوبته، وطابت عيشته، ووجبت مودته (٤).
وهكذا فإن النية الطيبة وصفاء السريرة يجعلان الإنسان يعيش في سلامٍ داخلي لتفيضَ منهُ ينابيع الحكمة والمحبة والعطاء.
ذكر الله تنقية للقلب
قال الإمام علي (عليه السلام): الذكر مفتاح الأنس (٥).
ليس المقصود بذكر الله مجرد كلمات نرددها بألسنتنا دون وعي بمدى عمقها وأثرها في نفوسنا، وإنما نعني بذكر الله أن يُخضع الإنسان نفسه على سبيل طلب الرحمة وطلب المدد وطلب العطاء، فإن هذا الذكر يعطي الإنسان رصيدًا روحيًا وحصانة روحيّة منيعة أمام وساوس الشيطان وأمام التجاوزات والإثارات والإغراءات(٦).
كما أن ذكر الله فيه تنقية للقلب من شوائب الذنوب وأصدائها، وجلاء له من كل كدر، وطمأنينة وراحة حتى وقت الشدائد. يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨].
ويقول الإمام علي (عليه السلام): مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح (٧).
توكل على الله يطمئن قلبك
يقول تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: ٣]
إن التَّوَكُّلَ على الله يشكِّلُ صمامَ أمان للإنْسَان يستطيعُ من خلاله أن يحافِظَ على توازنه واتزانه الشخصي، وبالتالي يُحقّق الهدوءَ والاطمئنان لنفسه. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس لمتوكل عناء (٨).
الهوامش:
(١) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٤٧٧
(٢) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ٩٨٨
(٣) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٢٨٩
(٤) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٤١٩
(٥) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ٩٧٠
(٦) من محاضرة للعلامة السيد منير الخباز بعنوان “ذكر الله وآثاره”
(٧) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٢ – الصفحة ٩٦٩
(٨) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٦٦٠
