الصداقة العشوائية

طابت أوقاتكم بكل خير أحبتي الكرام، أحببت أن أشارككم هذه القصة القصيرة وأتمنى أن تنال جزءًا من رضاكم.

كانت لدي عدة تساؤلات حول الصداقة وعن السوداوية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعية  حولها ومدى صحة الظاهرة السلبية  في الواقع؟ وما هي المعايير في اختيار الأصدقاء؟
توجهت إلى أحدهم وبعد طرح أسئلتي قام بإدارة نصف وجهه عنيّ  ورفع شفته السفلى قليلًا وأشار بإحدى يديه تجاهي، وقال: وهل يوجد أصدقاء؟! فكل شخص همه نفسه فقط!
-إذن أصدقاؤك ينطبق عليهم هذا الكلام.
فاستدار نحوي قائلاً: ومن قال لك بأنهم مختلفون عن البقية فلا فائدة منهم ولكن لا أريد أن أحرمهم من الشمعة التي تضيء لهم الطريق – (ويقصد نفسه بالطبع).

وبما أني لم أجد جواباً لسؤالي فقد طرحت هذه التساؤلات على شخص آخر، فتنهد بحسرة، وقال: بني لا يوجد في هذا الزمان أصدقاء ففي السابق كان الصديق بمثابة الأخ وأكثر، ولكني تذكرت أنه في حالة خصام مع شقيقه لأكثر من عشرين عامًا فانصرفت عنه بعد شكره.

وذهبت إلى رجل ممسكاً بيده سيجارة فقال لي: الأصدقاء لا فائدة منهم فهم يعلمون بعضهم ما لا فائدة منه كالتدخين ولعب كرة القدم وغير ذلك.
إذن فما  هذه التي تمسكها في يدك!!
وما كان منه إلا ترديد جميع ما حفظه من المعجم الكبير في الشتم والتقسيط تجاهي بحجة مقارنتي بمن ليس كفؤاً له.

وبعد ذلك تذكرت صديقي الذي يتغنى بأنه يفكر خارج مستوى بيئته الفكرية وعبقريته، فما أن طرحت تساؤلاتي حتى اعتدل في جلسته نافخاً صدره للأعلى واضعاً رجلاً على الآخرى وبعدها قام بتعداد المصطلحات: فسيولوجية الإنسان وسكيولوجيا المجتمع وهيرومنطيقية وغيرها من باقي المصطلحات.
– مهلاً مهلاً يا عزيزي فأنا جئتك سائلاً ولكنك وجدتها فرصة لإبراز ذاتك بالتباهي بمصطلحاتك ليقال عنك “إنه مثقف ويغرد خارج السرب”.
وما كان منه إلا أن قال: شت يور ماوث متبوعة بكلمة لم أحفظها لعلها سفسوطي أو سفسفاهي.

وعندها دخل اليأس إلى قلبي فتوقفت في ناحية قرب المنزل وأنا أتمتم بكلمات من جراء خيبة الأمل التي وجدتها.
فما أحسست إلا بيد تلامس كتفي، فأدرت وجهي لمعرفة هذا الشخص، فرأيت الابتسامة التي تعلو وجه ذلك الشخص البسيط من أصدقائي، وبعد السؤال عن الحال والأخبار سألني عن سبب تمتمتي، فما كان مني إلا سرد الحكاية.
فجوابني مبتسماً: إن أهم الأسباب في حالات التبرم و ثالسوداوية تجاه الصداقة في وسائل التواصل هي: الاختيار العشوائي للصديق، وعدم اختيار  الصديق الجديد بعناية وفق مواصفات محددة وإنما خبط عشواء، وبعد ذلك عدم القيام باختبارات الصداقة، وهذه من آثار عدم العناية من العائلة بالشباب في فترة تكوين الشخصية وجعله يُكوّن شخصيته عشوائياً، بالإضافة إلى نشر النماذج السلبية وتعميمها وعدم نشر الإيجابي.

– وكيف أحسن اختيار الصديق؟
– بتجنب مصادقة البخيل فإنه يبخل عليك في ذروة حاجتك، والكذاب فإنه يبعد عليك القريب ويقرب البعيد، والجبان فإنه بجبن في أبسط المواقف عن قول الحق ولو بشهادة تحميك، وإياك والأحمق.
– ولكن من هو الأحمق؟
– هو الذي يتخذ الإفراط أو التفريط شعاراً له فالمستبد والمُهان والمتهور والاتكالي والأناني والانتهازي وغير ذلك من الصفات المذمومة.
فالصديق من يرى زينك زينه، وشينك شينه.
– ولكن ما هي كيفية المعاملة للصديق؟
فتبسم قائلاً: إقرأ رسالة الحقوق للإمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) فستجد أكثر مما قلته.


error: المحتوي محمي