حاولت العمة” أم حسن” أن تستدرج ابنة أخيها “أمونة” إلى المطبخ، لتعلمها فنون الطهي وأسراره، ولكنها للأسف لم تفلح في إقناعها، رغم ما تقدمه من ألذ الأصناف التي تنال إعجاب “أمونة”.
لم تيأس العمة ولكنها واصلت فتح نوافذ الأمل أمام ابنة أخيها، فهي تريد أن تساعد بأية طريقة، وأخيرًا وجدت باب “الأسر المنتجة” مشرعًا أمامها لتدخل منه كغيرها إلى عالم التجارة والربح الحلال.
بدأت أماني خضر العبادي مشروعها “قهوة أمونة”، بكل قناعة وحماس، فهي لا تحب المطبخ كغيرها من الفتيات، فكانت القهوة وسيلتها لمشروع تجاري تدخل من خلاله عالم الأسر المنتجة.
وتقول عن أسباب اختيارها للقهوة كمشروع: “أغلب النساء يمتهن الطبخ كوظيفة منزلية، تدر عليهن الربح حتى ولو كان قليلًا، ومنهن عمتي أمل “أم حسن” التي لديها مشروع معجنات، ولكن وقتها كنت طالبة، ولا أجيد الطبخ، فاهتمام عمتي وتشجيعها لأن أكون من الأسر المنتجة جعلني أفكر في نوع البضاعة التي تكون أسهل في شرائها وتسويقها، وتكون مرغوبةً عند الناس، فكانت من المشجعين الأوائل والداعمين لي هي ووالدي”.
وأضافت: “أقوم بشراء القهوة من المحلات التجارية من الإمارات والبحرين، ثم طحنها في المنزل وأعمل لها خلطاتي الخاصة التي تميزت بها، كل هذا بمساعدة والدي”.
تواصل وصعوبات
وفي حديثها لـ« القطيف اليوم»، أوضحت “العبادي” أنها بدأت مشروعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إنستجرام، وسناب شات، وكان لديها مبلغ صغير من المال، أضاف له أبوها ما يساعدها لبداية مشروعها.
واعترفت أنها واجهت بعض الصعوبات، ولكن تقول عنها: “هذا يُعتبر طبيعيًا كبداية مشوار مهني لأنك ستكون مسؤولاً عن مصدر رزقك وكيف سيكون تعاملك مع الناس وتعاملهم معك، وبعض المواقف، إن لم تكن كلها، دروس للتعلم والصبر والتحمل، فالحياة تحتاج إلى هذه الأمور حتى تحصل على ما تريد.
الانتشار
والآن تسير “العبادي” بخطى ثابتة بعد تمكنها من أدوات مشروعها وتسويقه، فأصبحت لها استضافات مدرسية، تذكر منها؛ في المدرسة الابتدائية الثانية بالقطيف، والمتوسطة الثالثة، والمدرسة الثانوية بالشاطئ، وقالت: “وكل هذا بفضل الله وتوفيقه لأن أكون مدعوة من قِبل إدارات المدارس في فعالياتهم، وأن تكون قهوتي مطلوبة ومرغوبة لديهم، وأن يكون لي ركنٌ خاص فيها”.
وتابعت: “وتصلني دعوات خاصة ضمن فعاليات المنطقة للأسر المنتجة، وهذا أعتبره دعمًا وتشجيعًا لي ولجميع الأخوات اللاتي لديهن طموح وإصرار ليؤمِّن لقمة العيش لأسرهن بعرق جبينهت بشرف واحترام، ومن ضمن الفعاليات التي شاركت فيها كان مهرجان البراحة في القطيف، ومهرجان الزهور، ومهرجان شتاء تاروت”.
وأضافت: “أصبح عندي زبائن عن طريق التعارف، وفي المناسبات كذلك من الأهل والأصدقاء، وهذا ما جعلني أتوسع في التسويق، لذلك هناك بعض المحلات التجارية والمقاهي التي لها دور كبير في دعمي والتسويق لمنتجاتي، ومنها؛ سويت عوَّام، ونكهة البندق، ولذائذ الطيبين، وحلويات ومكسرات أبو سامي، ومركز أم يوسف، ومركز بقالة سيف بالعوامية”.
الوجه الآخر
إلى هنا وقصة أماني العبادي، التي اختارت لمشروعها اشتقاقًا من اسمها ليصبح “أمونة”، قصة عادية لشابة اختارت مشروعًا تجاريًا ليكون مصدر عملها ورزقها، ولكن لقصة “العبادي” وجه آخر، بطلته معلمة في الصفوف الأولى، رأت عدم تفاعل “العبادي” معها، وتكاسلها بعض الشيء وعدم سرعتها في الحفظ بالشكل المناسب، وهو أمر لم تحتمله، فقررت أنها طفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأوصت بنقلها.
هكذا بجرة قلم تبدل حال الصغيرة، التي لم تكن تدري ما يقرره الكبار بشأنها، وهكذا حملت حقيبتها حتى دون أن تودع زميلات فصلها، ليتم نقلها لمدرسة خاصة، حتى أتمت المرحلة الثانوية.
الصفعة
وتقول: “بعد إتمام المرحلة الثانوية، تم تشخيص حالتي في مكتب التعليم بالقطيف تحت إشراف فريق مختص، وظهرت نتائج الفحص ممتازة دون أي وجود لعلامات تُثبت أنني من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا ما ترك أثرًا نفسيًا وصادمًا لوالديَّ ولي شخصيًا”.
وأضافت: “لذلك أقول لتلك المعلمة: إنَّ الظلم الذي لحقني منك لعدم تحملكِ لطالبة صغيرة تحتاج منكِ أساليب تعليمية صحيحة، وعدم خبرتكِ، جعلني أدرس مع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان سببًا في عدم إكمال دراستي، وهذه خسارة بالنسبة لي، ولكن الحمد لله أنني لم أكن من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنني فتاة طبيعية، اجتزت دراستي بسلام، ولم تنكسر عزيمتي، بل وفقت لأن أكون تحت رعاية والدي الحنون، ومحط اهتمام والدتي وعمتي، وأنا أشكر الله على ذلك، وها أنا اليوم أصبحت مشهورة ومعروفة لدى الناس بـ”قهوة أمونة المزيونة”.
طموح
ولا يتوقف طموح “العبادي” عند هذا الحد الذي وصلت إليه من شهرة وتميز في مجال صناعة القهوة، وتقول: “مثل أي شخص لديه الإصرار، والمثابرة، والكد، والتعب، الذي بدأ به في عمله، لابد وأن يكون لديه طموح عالٍ ليصل إلى مبتغاه، وأنا أطمح لأن يكون لدي مقهى في القطيف، لأرى إنجازاتي على أرض الواقع بعد هذا الجهد والتعب”.
وتضيف: “لا شيء مستحيل، عندما جاءتني الفكرة وبدأت فيها عرفت بأن تحقيق الأهداف يأتي بعد الجهد والعمل المضني، لذلك أقول للجميع لا شيء مستحيل، فقط كُنْ قويًا وثق بقدراتك”.
شكر وامتنان
وختمت لقاءنا معها قائلة: “من أعماق قلبي أقدم شكري وامتناني لكل من شجعني، ودعمني، وأعطاني كل الثقة، بدءًا من أبي وأمي، وعمتي، وجميع صديقاتي، ولكل من دعمني معنويًا بكلمة، ودعاء وتسويق ومشاركة، وشكرًا لـ«القطيف اليوم»“.