لم يكن مجرد تجمع تراثي، أو عودة لـ”براحة الحليب” بالقطيف، بل كان تأكيدًا على أن هذه المنطقة لم تصب بالعقم عن إنجاب الفن رغم تقادم عمرها، فهي مازالت ولودًا به، مكثرةً منه على اختلاف ألوانه وصوره.
ففي ركن “الزريب” كواحد من أمثلة تلك الأماكن الحاضنة للفنانين، كان لابنة سنابس “امتنان آل يعقوب” منبرًا تخطب فيه بفنها، مستخدمةً الألوان مكبرًا لصوت الفن، بعد أن طورت موهبتها، واتخذتها وسيلة للتعبير عما لا تستطيعه بلغة منطوقة.
كان إحساسها المرهف هو محرك الريشة على اللوحة، لتعكس ما تحمله من مشاعر صادقة، تظهرها بصمت، حيث تحدت واقعها مع إعاقتها منذ الولادة في صنع عالم مغاير بدعم من عائلتها، أبهر كل مَنْ حاول اكتشافه والتعرف عليه.
شاركت آل يعقوب بلوحاتها مع جماعة الفن التشكيلي بنادي الفنون التابع للجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف خلال أيام المهرجان منذ انطلاقته إلى يوم الاثنين 27 يناير 2020م.
دعم ودمج
وتحدثت والدتها فتحية البحارنة لـ«القطيف اليوم» عن موهبتها التي تفردت بها، مع إصابتها بإعاقة فكرية، حيث اتخذت لها صحبة من الرسم وعالمه بين ألوانه الزيتية والخشبية، لتحلق بهم إلى عالم الفن مع رواد الفن التشكيلي في القطيف على أرض براحة القطيف.
وكان حضورها برغبة وحماس، مع دعم والدتها التي ترافقها، والتي أخذت بيدها من رسم خربشات ودوائر، إلى مدارج الفن برسم لوحات ذات معنى جميل، مع وجود المعلمات في مدرستها كونها طالبة في الصف الثالث الثانوي بفصول الدمج.
وقادتها المعلمات نحو التميز بأن كنَّ المحفز لها للمشاركة في المدرسة، أو خارجها كالبراحة 2، وكذلك الانطلاق بها إلى المشاركات الخليجية والفوز بالمركز الأول في جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان للتفوق العلمي والإبداع في التربية الخاصة، بمجال الإبداع الفني على مستوى العالم العربي لعام 1440 – 1441، في دورتها السادسة.
حصون الأكريليك
من جهته، زين الفنان “منير الحجي” ركنه الفني في البراحة 2 بحصون وقلاع وبيوت القطيف وتاروت التراثية والأثرية، التي تربى فيها واستهوته منذ نعومة أظافره، حيث كان يجد فيها حياة وراحة لا يراها غيره، وجعل من ألوان الأكريليك حلقة وصل بين فنه والمتلقي، والذي اتسع مع كبر اللوحات، ووصل عددها إلى ما يزيد على 100 لوحة.
وقفت «القطيف اليوم» على جانب من تجربته الخصبة في عالم الفن التشكيلي، والتي منحته أن يكون من رواد الحركة التشكيلية في المحافظة، وحتى العالم، والمشاركة في تأسيس جماعة الفن التشكيلي بالقطيف قبل عقدين من الزمن، ومع هذا الدور إلا أنه بتواضعه يأبى أن يطلق على نفسه لقب الرسام أو الفنان بقوله؛ “أنا لست رسامًا ولا فنانًا”.
ومع غزارة فنه وصف نفسه “بالعصامي” بقوله: “بدأت مشواري الفني وأنا في الصف الخامس برغبة في تعليق صورة فنية في بيتي حينها فكرت لماذا لا أرسمها بدلًا من شرائها، وعندما رسمتها ونالت استحسان الجميع، مع أنني كنت بين التصديق والريبة من ذلك”.
واتسعت مساحة لوحاته نتيجة تعدد المشاركات العالمية، إذ كان يطلب منهم رسم أحجام كبيرة، وواكب الوقت والاتجاهات، واضطر إلى مجاراة التغيير، ليجسد خلجات حسه الفني ضمن طقوس يغلب عليها الصمت والهدوء والعزلة، مع الاسترسال بعمق.
وشارك في البراحة 2 كتجربة أولى له في المهرجان بعد غيابه عنها في النسخة الأولى، حيث كان من المفترض عرض لوحات فقط، إلا أنه وجد من المناسب رسم لوحة فنية مباشرة بعرض 3.5 متر، وارتفاع متر ونصف المتر.
وحمل بين فنه تجارب خصبة تعكس الفن الناضج في محافظة القطيف، الذي يغذي البصر والبصيرة، من خلال المعارض الشخصية والمشتركة، التي تتميز بالرسم الواقعي الذي لا يجيده الجميع، إذ كان أول معارضه الشخصية في عام 1403هـ، في مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف، وآخرها كان قبل 10 سنوات في مستشفى الحرس الوطني بالأحساء بمناسبة يوم التمريض العالمي.
جماعة التشكيل
من جهته علق عضو اللجنة المنظمة الفنان كميل المصلي عن مشاركة جماعة الفن التشكيلي من قبل الأعضاء ومشاركة الفنانة امتنان آل يعقوب بالرسم المباشر، حيث نثر الجميع فنهم بمختلف الأساليب الفنية ولجميع الأعمال، مع تقديم الرسم الحر للأطفال بإشراف الفنانة نسرين الشاخوري.
وذكر أن المشاركة تمثلت من الفنانين؛ عباس آل رقية بالرسوم الجدارية، واللوحات الصغيرة، وزهراء المتروك برسم الفسيفساء، والتشكيل بالطين من هدى القطري، وتم عرض بعض اللوحات إلى هويدة الجشي، والفنان محمد المصلي رسم المديل، وقام بالرسم بالألوان الزيتية كل من: سعدية آل حمود، وذكريات الزوري، وباسم مطيلق، والخطاط محمد أبو السعود.