الرسائل التدميرية في التربية

يسرد أحد الناجحين في حياتهم العلمية والعملية: إنّه عندما كان طالبًا في المرحلة المتوسطة، كان أحد معلميه يقول له – حينما يخطئ – أنت فاشل، وسوف لا تنجح طوال حياتك، إلى حدّ تحولت هذه المعاني إلى عنف يسحق العُصْبَة أولي القوّة.

والأمر الأكثر غرابة هو استمرار مثل هذه الرسائل التي لا تحمل سوى محتوى الفتك المعنوي للإنسان بجميع إمكاناته ووجوده، في مجتمعات تدعو لتأكيد قيم الإنسان وتدّعي احترام عقله وفكره وذاته، كمناشئ إنسانية.

ويمضي الطالب في سرديّة تتأمّل نقل تجربة ذاتية عاشها شخص وكادت أن تقوضّه كشخصية إنسانية، فيقول: كان تأثير فكرة الفشل كبيرًا، وامتلأتْ نفسي بهواجس وأفكار سلبية استبدّت بي وسيطرت على دوائر الوعي والتفكير عندي، بسبب حجم القلق والخوف والاضطراب الذي باغتني، إذ رحت لا أهتم بالواجبات والمهام الدراسية، ليس في مادة المعلّم صاحب الرسالة السوداء فحسب، وإنما في أغلب المواد.

وصار الطالب كالبناء الذي يتعرض لكارثة، بل إنّ الطالب تخيل كارثة لا تجد أمامها بناءً تهدمه، بسبب الشعور المرعب الذي أفقده ثقته ومعنوياته تمامًا.

وبشكل طبيعي، كانت النتيجة النهائية لاختبار الطالب في مادة المعلّم سلبية، وصار عليه أن يعيد المادّة مع رغبة والديه بأن يتغير المعلّم.

في السنة التي أعاد فيه الطالب المادّة ذاتها، حصلت معجزة كانت هي كلمة السرّ التي أوصلته للنجاح والتميز، كما يصفها لسانه قائلًا: صادف أن دخل موجّه المادة، وكنت حينها أمارس بعض المحتوى الذي تعلمته حديثًا حول التفكير الناقد، وأهمية ممارسة التحليل وإعطاء الرأي حول ما نتعلمه، للوصول إلى درجة عالية من الطلاقة والسّعة في تناول أي فكرة نتعلمها.

بعد التحية للموجه، أكملت حديثي، إلى أن أخطأتُ في جزئية كانت كفيلة بأن يطلب المعلم مني التوقف، ليأخذ هو نفسه الكلام، مشيرًا بأن هذا الطالب هو أضعف طالب في الفصل.

ويكمل الطالب: بأنه رغم علمي بأني لست أضعف طالب في الفصل، إلا أنني خجلت خجلًا شديدًا، وأخذت مكاني بين زملائي حزينًا كئيبا.

لكنّه ومن حسن الحظ، لم يوافق الموجه على رأي المعلم عني، بل نظر إليّ، وقال بنبرة مؤثّرة: يظهر لي أنّ هذا الطالب نبيهٌ، وسيكون ترتيبه الأول على زملائه، وليس عليه سوى الجدّ والاجتهاد.

كانت هذه الرسالة الإيجابية راية التميز التي طردت عبارات المعلّم الأول، وارتفع مستوى الثقة عندي إلى درجة رحت أطارد التفوق بكلّ معانيه وأشكاله.

ومضيت أحمل أوسمة النجاح إلى أن صرت أحد الخمسة الأوائل في فصلي، ومع الجدّ والمتابعة، لم ينته العام الدراسي إلاّ وأنا الأول في شعبتي.

ألا يمكن أن ندرك بأنّ التربية هي الحياة الجديرة بتدفق الكلمة الطيبة من ينابيعها، لنجد أن معجم الإيجابية اللفظي والمعنوي يتسع لأضعاف ما يضمّه معجم السلبية المماثل.

وبلا أي تعقيد في ذلك، تغدو مصاديق الرحمة التي تعنى بالروح التربوية الخالصة هي السبيل الآمن تربويًا، ويمكن التأسي بأعلام الشخصيات الخبيرة بذلك، عبر منهجية تحمل مقاصد بناء الشخصية وإعدادها بالأدوات الإبداعية التي تنقل كل شخص إلى مقام الشخصية الناجحة.


المصدر: آراء سعودية


error: المحتوي محمي