لذة الظلام

لما هذا الجنون، لما هذه العتمة، لما الظلام حالك هنا، لما لا أشعر ببصري، أمغمضٌ عيني أنا أم أن الظلام أغشاني؟!

ما أصعب حالي، ما أقسى زماني، هل تراني هنا بمفردي؟! أم أن بؤس الحياة أشقاني؟!

لما مات الحياء، واغتال الجرم أورادي، لما سقط الضمير وبات العقل للجنون أسيراً؟!

لما تمادينا في خلواتنا، في هواتفنا، في جرأتنا على سيدنا!

لما تجاهرنا وكأننا إلى الشر تسابقنا، لما تعرينا من الحياء، لما هتكنا الستر، لما أرخصنا قِيمنا، وبعنا مبادئنا، لما حللنا للمال أجسادنا، لما فرطنا للشهوة بإيماننا؟!

هل نحن حقاً مؤمنون بربنا؟! معتقدون بديننا عاملون به؟!

إن قلتُ نعم فلم أرى الحرام قد تهيأ وتزين وتسيد؟ لم أراه سهلاً يسيراً فاتحًا ذراعيه يُنادي أهل اللذائذ والهوى هيت لكم؟ لم أصبح على مرمى العين لا يردعه رادع ولا يُخيفه واعظ؟ لم صار قِبلةً يأمر البعض إليه، وحلقةٌ يتصلون بها، حتى أنه عند البعض اكتسى بكساءِ الحلال فأصبحوا يسرحون ويمرحون فيه باسم الدين؟!

نساءٌ متزوجاتٍ تزني، ورجالٌ يتسابقون إلى الحرام، هل نحن من نُغرر ببعضنا أم أن الشيطان أغوانا؟!

نحن من أردنا الظلام لأنفسنا، واخترنا سوء العاقبة بخيارنا، نبرر الذنب ونبيحه، نعصي الله على أمل الرجوع، نسوف لأنفسنا التوبة، وكأن الموت بأيدينا وتحت جُناحنا!

لا نعلم قيمة الدعاء إلا عند حوائجنا، ولا نتضرع في الصلاة إلا عندما يخنقنا همنا، هجرنا آياتٌ تريح قلوبنا، وأذكارٌ تغذي أرواحنا.

أصبحنا لا نرى عظمة الله ونعمه إلا حينما تنكسرُ العصى، وتخر القوى، إلا حينما تُسقطنا ذنوبنا في وحل خطايانا، إلا حينما تنكشف للناس سوءتنا، وتفضح المعاصي سترنا!

كم سوفنا لأنفسنا، كم هونا عليها الذنب، كم انتهكنا حقوق سيدنا، وكم تمادينا عليه بنتاج أعمالنا!

لكنه بالمقابل رحيمٌ بنا لا يغلق لنا باب توبة، ولا يرد كف مُحتاج!

أيها الناس اعلموا أن في الحرام ظُلمة بعد لذة، وفي الحلال نورٌ وهدى، فاسلُكوا ما يُنير قلوبكم ويرحم ضعف أجسادكم فأنتم راحلون لا محال!

شكراً لأنك ربي وخالقي!


error: المحتوي محمي