يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} سورة فصلت.
يومكم معطر بعطر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ها قد بدأت السنة الميلادية الجديدة فلنجعلها سنة حب، وعفو، وتصالح، وتسامح، فيما بيننا.
إن أعظم صور العفو حين يطلب منك شخص أن تعفو وتصفح عنه، قد يكون تآمر عليك، أو خانك، أو سلب حقاً لك، ولكنه الآن ثاب إلى الله، وأقر بذنبه ويطلب العفو منك.
إن الحلم والعفو والصفح من الصفات الكريمة والخصال الحميدة، التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله قدوة حسنة، فعندما صدر الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وآله، بأن يعفو عن اليهود الذين خططوا لقتله ويصفح عنهم ويتعامل معهم بالحسنى، هذا الموقف أحب إلى الله عز وجل من إيقاع العقوبة عليهم والانتقام منهم، وإن كانوا يستحقون ذلك بسبب جنايتهم.
يقول الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} “سورة المائدة”.
لو حاولنا المقارنة بين هذا الموقف في هذه الآية المباركة، وما نراه من خلافات في أوساطنا الاجتماعية من قطيعة لرحم، وعداوات لسنوات طويلة ولأسباب تافهة، لاكتشفنا كم هي المسافة بعيدة جداً بين واقعنا وما يريده الله عز وجل لنا.
الله عز وجل يريد لنا أن نسامح بعضنا بعضاً، ونصفح عن أخطاء بعضنا ونعفو عما سلف من مواقف نعتبرها ضدنا بينما نحن نصر على تضخيم الأمور في قبال الإخوة والأحبة والأهل والأصدقاء وسائر الناس.
كثيرة هي الأمثلة التي نراها ونسمع عنها في خصام الأهل والأصدقاء لسنوات طوال فمثلاً:
زوج ترك زوجته معلقة لسنوات بسبب مشاكل تافهة.
أخ لا يكلم أخاه لسنوات طويلة بسبب أمور مالية.
جار لا يكلم جاره بسبب مواقف لسيارات أمام بيته، فيحرم على زوجته وعياله الدخول في بيت جاره وعدم السلام عليهم، فيشب الأبناء وهم يحسبون أن جيرانهم أعداؤهم.
وصور كثيرة تعكس كم هي الأسباب تافهة التي تؤسس لعلاقة عداوة في بيئتنا الاجتماعية مع أننا على دين واحد ومن أسر قريبة ونشترك في الماضي والحاضر والمستقبل.
إن من يعفو ويسامح ويصفح يخلق جواً اجتماعياً جميلاً جداً وينعكس ذلك على تماسك المجتمع وقوته.
الله عز وجل يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
الله سبحانه يصرح بأنه يحب من يحسن للناس ويعفو ويصفح عنهم، ومن أحبه الله سخر الكون لخدمته وتدخل الغيب لتحقيق تطلعاته وأهدافه.
لماذا عند فراق وفقد أحد ممن كنا نعزهم وكنا في خلاف معهم لسنوات نذهب إلى حيث تقام مراسيم الدفن والوداع؟ فتبكي أعيننا عليه ثم نلقي نظرة أخيرة مع قبلة على جبينه ثم نطوي صفحة علاقتنا به بكل ما فرطنا في جنب بعضنا بعضاً.
في تلك اللحظة تزول الضغينة التي في الصدور ويتلاشى الحقد ويحل مكانه العفو والتسامح.
لماذا مشهد الأكفان وحده الكفيل الذي يحرك فينا مشاعر الحب والعفو والتسامح؟ لماذا لا نستطيع أن نسامح إلا عندما نرى الأكفان ونستنشق رائحة الكافور؟
لماذا نؤجل العفو والصفح إلى حين أن يجف الدم في شرايينا فلا نصفح إلا عندما نستنشق غبار القبور؟ لماذا نقدس ساعة الرحيل ونكون على استعداد أن نطوي صفحات الخصام التي بيننا في هذه اللحظات وليس لدينا قدرة أن نغفر زلة بعضنا إلا بشرط الرحيل؟