مساحة بيضاء تلك التي أخط عليها أحرفي، وأنظم في سطورها كلماتي، وأملأها فرحاً وسروراً وتفاؤلاً وإنجازاً ونجاحاً، وربما خذلتني السطور وملأتها حزنا ومآسي وذنوباً وإخفاقاً.
تقطر من ثغر السماء رحمات، تغسل الطرقات، وتغمر قلوب البشر أنساً، تمحو من قلب المحزون حزنه وتطهر الموجوع من وجعه، وتبعث السعادة في النفوس. هكذا تُهيأ الأرواح العام الجديد.. فكل عام وأنتم بألف خير.
فبنبرة ألم نودع عامًا قد مضى وبصوت أمل نستقبل عامًا جديدًا قد أتى.
وتمضي بي وبكم السطور كما تمضي بنا الدهور. نخط على مساحة بياضها أحرفنا التي نترك بصماتها ببريق من نور تفاؤلي، مع إشراقة عام جديد.
قبل بداية أي عامٍ جديد، لا يسعنا سوى الوقوف، امتناناً للعام الذي رحل، للعام الذي علّمنا كل شيء واللاشيء، أما العام الجديد الذي مازلنا نجهل ملامحه، فسنصافحه بريبة، وبتوجس وقلق، لكن كل الدعاء أن يكون عامَ خيرٍ، عاماً يغدقنا بالسلام العاطفي، والإنساني، والروحي، عاماً يمد لنا يديه، قبل أن يمد لنا وجعه وخيباته المتكررة.
نودع عامًا ونستعد لاستقبال عام جديد ويرحل العام بكل ما حدث فيه من محطات في حياتنا سعيدة وحزينة التقينا أو افترقنا تعاهدنا وودعنا سوف تصبح الذكرى في عقولنا لن ترحل فالسنين بالأحباء أثمن ويكفي أن نحمل معاً ابتسامة لنفس الذكرى تنقذنا من الوحدة لتجمل ملامحنا.
ننقل الحب والتسامح والصفاء من عام إلى عام، كما ينقل التلميذ واجباته وطقوسه الدراسية إلى دفتر جديد، انقل صوتك وعزيمتك. ورسائلك. وطموحك وتسامحك وجديدك وأفكارك وعلقها في خزانة العام الجديد يعني فرصة وحياة جديدة ننسى فيها الأمس بكل ما فيه من يأس وفشل وإحباط ودموع وأحزان وكره. لننثر للعالم ابتسامة طهر وسلوك وتسامح وصدق ورقي ومحبة لكل من يسكن قلوبنا في العام الجديد.
في العام الجديد لا تربط ذاكرتك بالأفعال الماضية، ولا بذاكرة القطارات المسافرة. فأنت القطار في حياتك الذي يسافر ليلاً ونهاراً. عام من العمر قد انقضى وأطل عام كالحلم يوماً على يوم ولا زلنا في نفس المكان نراقب كل يوم موكب الأيام يمضي بانتظام في الليل ويتلوه النهار وأرض هي الأرض دائمة الدوران، والشمس تشرق كل يوم ثم يخفيها الظلام.
العام الجديد يجب أن يكون عام الحب والسلام. والسلام مرتبطٌ بالسكينة والراحة سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، ولهذا فإن دول العالم أجمع تتخذ من غصن الزيتون والحمامة البيضاء رمزًا للسلام، لأنه دليلٌ على الرقي الإنساني وفرصة للنمو والتطور والازدهار، كما أنه يضمن حق الأطفال والأجيال القادمة في أن تعيش بسلام كي تستمر في العلم والإبداع والإنجاز.
في العام الجديد نحتاج إلى ثقافة البيئة بين الأفراد في المجتمع الواحد من أجل الوطن والحفاظ على مكتسباته ومرافقه العامة التي أنشئت من أجل الجميع.
العبث بالأماكن العامة وتدمير المرافق وإتلاف وسائل المواصلات والحدائق وقطع الأشجار وتحطيم الأسوار والكتابة على الجدران، هذه التصرفات غير المسؤولة أصبحت شيئاً عادياً في حياتنا في ظل غياب الذوق العام والجهل بأهمية هذه المنجزات في حياتنا الاجتماعية لنجعل شعارنا في العام الجديد عام الذوق العام. من أجل وطننا وجمال مدننا كي نعطي صورة جميلة لمجتمعنا.
في العام الجديد ليكن كل واحدٍ منّا رقيباً على نفسه، فيحاسب نفسه ويقيمها ولا تسع لتكون رقماً على كوكب الأرض. بل ابحث عن أن تكون اسماً ذا بصمة تبقى في ذاكرة القاصي والداني، فاصنع من خبرات العام الذي مضى شموعاً تضيء بها العام الذي أقبل فأنت لم تخسر عاماً من عمرك بل أضفت عاماً لنفسك.
لا تيأس إذا لم تكن البداية جميلة في عامك فمعالم اللوحة وجمالها لا يظهر إلا بعد فترة من الزمن ولا تفقد الأمل بالإنجاز فالأمل هو ذلك الوقود الذي تتحرك به الحياة. استقبل عامك الجديد بنية أكيدة في التغيير الإيجابي.
خذ من الماضي فقط حكمة التعلم من المواقف، وواجه المستقبل بتفاؤل وثقة في ذاتك وقدراتك على أنك تستطيع أن تحيا بشكل أكثر كفاءة وتطورا وإيجابية. اسعَ ليكون العام الجديد صفحة مشرقة في حياتك.
في العام الجديد نقول: تسلم لنا الحياة لوحة بيضاء نقية، وتهدينا معها أجمل الألوان، تخبرنا بين رسم الأحلام والواقع، بين رسم الأمل والألم، بين رسم الحياة المستقيمة والحياة البائسة دون هشاشة أو ضعف وتصوف ونفاق، بين جمال النور أو ظلام العتمة.
لنفتح نوافد أروحنا المؤصدة للخير، وليشرق عليها الأمل مجدداً حتى نطلع منه وننتعش بأحلامنا بطموحنا بتطوير ذاتنا، لنجعل من ثغرنا وجهاً ضاحكاً وقلباً محباً وروحاً متفائلة.
كل عام ونفوسكم ممتلئة بالحب، وقلوبكم متسعة للجميع مرسوماً عليها البهجة والسرور والطموح والفرح الدائم، وبيوتكم يغمرها الحب والود والسلام بين أفراد الأسرة.
أتمنى للجميع دائماً أن تكون السنة الجديدة هي سنة الإنجازات والتطوير والسعادة بطموحات وآمال مرجوة من الله تعالى، للجميع أقول وبكل لغات العالم: كل عام وأنتم بخير وعام سعيد.