تكحلت عيون وسرت قلوب، مع ريشة متيمة بالجمال، عزفت ألواناً ذات بهجة تسر الناظرين.
لوحات تتغني بالطبيعة الخلابة، أجواء من خيال، مشاهد ربيعية آسرة تكاد من الحسن أن تتكلم، فسحات ظلال وأنوار تتعاكس بتلاوين الأخضر وتموجات ألوان الطيف، تتجلى الحواس فيها طرباً وهياماً، إنها حدائق روسيا الفاتنة المكللة بالندى وعبير الزهر، نسجتها امرأة متيمة بأرض بلادها الشاسعة، أسمعتنا خرير الماء، ومعزوفات الطير، ونسمات العبير، وأضفت البسمة على محيا الطفولة درجات الوان، وأسبغت الفرح على وجوه الحسن مسرات، غواية أنفس حالمة بين الخضرة و نوافير المياه، كثافة أشجار وارفة وثمار يانعة، وأوراق تتدرج بألوان الفصول، أغصان تتمايل رقصاً وتتشابك بحميمية العشاق، ورود من كل لون تصطف في بهاء.
لوحات تبهج العيون وتنعش الأرواح، مشاهد بصرية آسرة أبدعتها أنامل الفنانة “نتاليا ريدر”، بريشتها المغموسة بالحنين ولحن الوفاء، لبساتين بلادها روسيا وحقولها الغناء، لونت مراتع الطفولة وعهد الصبا بهجة وفرحاً، واستحضرت جنائن من وحي الذاكرة لم تزل ماثلة للعيان، همسات أحلام وجد ورسائل حب ملونة، أناشيد رسم احتفالية لذائقة امرأة حساسة تفرست غزلاً بطبيعة بلادها الساحرة.
نعم أفصحت الفنانة عبر أعمالها عن ارتباطها الروحي لأرضها، وانتمائها الوجداني لوطنها، بلاد تعيش في قلبها وعقلها لم تنسها برغم البعاد.
وعن رؤيتها التشكيلية ومنجزها الفني وكذا نظرتها للحياة، أفصحت لكاتب السطور بالآتي: “كيف أرى وأحس العالم من حولى؟ إنني أنظر إليه دائما باهتمام كبير، وبشغف وحب، وأحمد الرب على كل شيء أمتلكه في حياتي ، عائلتي، زوجي، أطفالي، أحفادي، وعلى إمكانية الإبداع في مهنتى وهى الرسم، وعلى القدرة في أن أرى العالم من حولي جميلاً حتى في الأشياء الصغيرة، كم أنا محظوظة جداً بالفرص المتاحة لي، بأن أجرب رسم الصور البسيطة لكتب الأطفال والكبار معاً، والخوض في رسم أعمال بمساحات ضخمة كأعمال “المنومنت” الأعمال الجدارية.
تخصصت في الرسم بالألوان الزيتية وقد درست في الجامعة في قسم الجرافيك بما فيه من “ليتوگراف والفورت ولينوغراف”… إلخ، وكل تقنيات الرسم.
العالم من خلال عيون الرسام دائماً تختلف عن رؤية الإنسان العادي، الرسام دائماً يرى التفاصيل التي لا يلاحظها الآخرون، كأشعة الشمس المنعكسة على الأوراق والورود، وفي ظلال الفازة على الطاولة، أو قطرات الماء على اليد بعد هطول المطر، أو ابتسامة امرأة عجوز، أو نظرات خجلى لفتيات في عمر الزهور، أو حالات عشق بين المحبين أو تعابير براءة الأطفال، وكذا الحدائق بكل أسرار جمالها، كل هذه الأشكال المرئية والمسرات الداخلية، تولد لدى الفنان مواضيع ونماذج للرسم، وهذه الأجواء والعوالم الرائعة، تأثرت بها كثيراً وعكستها في جميع لوحاتي ومازلت أسعى للنهل منها أكثر وأكثر، أحب رسم الطبيعة بكل تجلياتها لأنها تبعث السعادة في نفسي، ليس لي فقط بل أطمح الى أن تسعد الآخرين من حولي ولكل من يرى أعمالي”.