بملامح حادة، وقسمات شديدة الوضوح، وشفاه متقدة، وبعض خصلات من الشعر المنسدل، أعلنت الكاتبة “خاتون الفرج”؛ “الهدنة”، ولكن يبدو أن العنوان مغاير للحقيقة، فالكتاب الذي صدر مؤخرًا، يعلن عن كاتبة واعدة، قررت البوح والإفصاح، وفتح خزائن اللغة التي اكتنزتها منذ الصغر، وتشبعت بها خلال دراستها، محاولة استعادة خطوط الحياة إلى مساراتها الحقيقية..
في عام 2011 دونت عبارة “حين يرى (هُدنة) النور سيكون موتي مُدهشاً”، وفي عام 2019 رأت هدنتها النور، في 104 صفحات، تغلفها صورة التقطتها هي لأنثى بملامح تجبرك على التوقف أمامها، وبدأتها بإهداء خاص كتبت فيه: “أهديت الكتاب لعينيّ والدي وصبر وأمي، من يعرفني سيفهم كيف تكون القبلة لعينيّ والدي وكيف أقبل صبر أمي”.
الكاتبة خاتون علي الفرج، واحدة من حملة بكالوريوس اللغة العربية، نشرت مؤخرًا كتابها “هدنة”، الصادر عن دار أطياف للتوزيع والنشر بالقطيف، وضمنته مجموعة من نصوصها من الشعر المنثور.
لماذا المنثور
حول نصوصها المنثورة من الشعر تقول الفرج لـ«القطيف اليوم»: “رغم أن والدي شاعر ورغم أنني من المتفوقات في مادة علم العروض في الجامعة إلا أنني ضعيفة في حفظ البحور وصنع القافية، ربما بحاجة يد تمتد لي وتعلمني القليل لأنني أعلم أن من يستطيع النثر يستطيع الشعر”.
الغلاف
يشدك غلاف الكتاب وهو يحمل صورة لأنثى بالأبيض والأسود، لونت شفاهها بحمرة صارخة، وهو ينبئ عن موهبة أخرى للكاتبة، فهي من الكتاب الندرة الذين غلفوا كتبهم بصورة من إنتاجهم الخاص.
وحول ذلك قالت: “غلاف الكتاب من تصويري عام 2017، واخترت هذه الصورة تحديدًا لأنها صورة تحمل تساؤلات عدة، رأيت فيها غموضًا وقوة في نفس الوقت، وفي ربط التساؤلات بعلاقة المحتوى بالعنوان، والغلاف، فيها ذكاء مؤلف، فالملامح فيها قوة وبالعينين شرود طويل، والشفاه تعطش لحب صادق، والملابس أناقة الأنثى، وإن كانت مكسورة”.
وأضافت: “بصدق في المكتبات أكثر ما يشدني للكتاب غلافه قبل عنوانه، ربما لأنني أعشق الملامح والغموض، فلذلك اخترت أن يكون “هُدنة” مميزاً في كل صفحاته الـ104، بدءًا من سنواته التسع، وانتهاء بآخر حرف فيه”.
الهدنة
ووصلنا إلى محتوى الكتاب، وتوضح خاتون أن “هدنة” تحكي عن السكون، والهدوء بعد كل حرب داخلية تعتمل دواخل الأنثى، تلك الأنثى التي تسطر خيباتها سفرًا، ولا تجد تذكرة عبور لأي شارع من شوارع المستقبل.
تسع سنوات
ربما يتوقع القارئ أن إنجاز كتاب أمر هين، ولكن عندما نتعرف من الفرج عن الوقت الذي استغرقه كتابها سنصاب بالدهشة، فهي تشير إلى أن “هُدنة” طفل تمخضته طويلاً، وتقول: “قبل أيام وجدت مفكرة تاريخها 3 مارس عام 2011 دونت فيها حين يرى (هُدنة) النور سيكون موتي مُدهشًا!، مما يعني أن هُدنة وليد 9 سنوات عبرت خلالها التيه دون قدمين، وكانت الحيرة الوحيدة في اختيار الدار التي ستتبنى ولادة هُدنتي، ووقع الاختيار على دار أطياف أخيراً”.
القارئ
وصفت دار النشر الكتاب بأنه عتبات للبوح، أما مؤلفته فقالت: “مولودي الأول فكيف أصفه؟ ربما سأترك جواب الوصف لقارئيه”، مضيفةً: “حقيقة كل مَنْ قرأ الكتاب كان يهنئني على وصول المحتوى لقلبه، فما يخرج من القلب يصل للقلب، بدءًا من زوجي ثاني الداعمين لي بعد أبي – رحمه الله -، وصولاً إلى أخواتي، حتى بنات خالاتي الصغيرات المتذوقات والعاشقات للقراءة”.
أنا والقلم
ولم تكن اللغة الشاعرية والألفاظ المنتقاة، وليدة الصدفة، فعلاقة خاتون والكتابة بدأت منذ زمن بعيد، ربما قبل أن تمسك يديها بالقلم، وتقول عن هذا الجانب في حياتها: “أنا ابنة رجل عظيم، شاعر، وخطيب، وكاتب، فغالباً كنت أقرأ له كل ما أكتب، وكان يحدثني حينها عن نازك الملائكة، وينصحني بالقراءة لها، ولمجموعة من الأدباء، وهو من ربى داخلي الرغبة في أن أكون شيئًا عظيمًا مثله؛ أن أكون شخصية لا تنسى على الأقل”.
وتابعت: “في العلاقة بيني وبين الكتابة مازلت أملك مجموعة من دفاتر كنت أسجل فيها يومياتي البسيطة التي عشتها في بيت جدي، وكنت حينها في الصف الرابع الابتدائي، بدأ الأمر بجمع قصاصات من المجلات سابقًا وتدبيسها وقراءتها، ربما تتذكر أختي الكبرى “منال” كيف أنني قصصت كل مجلاتها، كنت اقرأ كثيرًا لشهرزاد الإمارات، وأحلام مستغانمي، وأردد: سأكون يوماً ما مثلهما”.
لمَنْ الهدنة
وأوضحت أن الهُدنة لكل أنثى؛ خنقها غبار الماضي، وعجزت عن الولوج لمستقبلها بعين متفائلة، سطرت فيه بعض الخيبات، وبعض الانتصارات، وبعض الحب، وبعض الكره، والحنين والأنين، والخوف والحسرة، والرغبة، ومشاعر كثيرة.
المرأة والذات
يرى بعض النقاد أن المرأة المبدعة تظل أسيرة لسيرتها الذاتية وتجاربها الشخصية، وتوضح خاتون أنه غالباً لا تكتب امرأة إلا وقد أنضجتها الحياة، وخاضت كثيرًا من التجارب، وعن ذلك قالت: “برأيي لا تكتب المرأة إلا ما تشعره، ولا ضير في بعض الخيالات”.
الرسالة
ومن خلال كلمات هدنة أكدت الكاتبة على رسالة مضمونها: “اعقدوا هُدنة مع الحياة، ارتدوا الأبيض وسط السواد”.
سفن الماضي
حضور الماضي كان قويًا في أغلب النصوص، وفسرت ذلك بأنه ليس حنينًا للخيبات، بل ربما حنين للمرحلة العمرية، حنين لشخوص عبرونا دون رجعة، لا تستطيع الأنثى نسيان الخيبات، ربما تتناسى لأنه لا يمكنها إلا ذلك، أما سفن الماضي فتحترق وحدها بالمستقبل الجميل.
ماذا بعد
ولأن الكاتب ما أن ينتهي من مؤلفه، حتى يفكر فيما هو آت؛ تقول خاتون عن تطلعاتها لما بعد الهدنة: “ربما رواية أفصل فيها بين كتب النصوص، فلكل نوع محبوه، وسأنتظر نجاح هُدنة أولاً”.
من هي
بعيدًا عن “هدنة” والكتابة، خاتون الفرج هي ابنة الشاعر الكبير علي الفرج، حاصلة على بكالوريوس لغة عربية، وتعمل حاليًا في مطار الملك فهد الدولي.
تقول في تعريفها لنفسها: “خاتون الفرج هي امرأة عانت الكثير؛ حتى إن معاناتها كانت سبباً في إكمالها دراستها الجامعية رغم التعثر.. ببساطة خاتون امرأة بسيطة جداً، عفوية جداً، ولا أستطيع الحديث عن نفسي كثيراً، أعشق التصميم، والتصوير، وطبعاً القراءة”.