المدح والذم

عن الإمام الصادق عليه السلام:
‘لا يصير العبد عبداً خالصاً لله عز وجل، حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لأن الممدوح عند الله عز وجل لا يصير مذموماً بذمهم وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد فإنه لا يزيد في منزلتك عند الله، ولا يغنيك عن المحكوم لك والمقدور عليك ولا تحزن أيضاً بذم أحد، فإنه لا ينقص عنك به ذرة”.

ولأهمية هذا الموضوع نحاول التركيز على محاور أربعة:

المحور الأول:  حكم حب المدح، وكراهة الذم من الناحية الأخلاقية.

المحور الثاني:  آثار المدح والذم.

المحور الثالث: متى نمدح ومتى نذم.

المحور الرابع: المدح والذم من الناحية الفقهية.

المحور الأول: حكم حب المدح وكراهة الذم من الناحية الأخلاقية.

المدح: هو الثناء الحسن
وحب المدح وكراهة الذم من المهلكات العظيمة الناتجة من حب الجاه.

لأن الذي يحب المدح ويكره الذم يجعل أفعاله وأعماله وحركاته على ما يوافق رضا الناس، فهو يختار رضا الناس على رضا الخالق، فيرتكب ويتهاون في بعض الواجبات الشرعية مراعاة للمدح وخوفاً من الذم.

عن أمير المؤمنين عليه السلام:
“أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه”.

وأيضاً قال عليه السلام:
“أجهل الناس المغتر بقول مادح متملق، يحسن له القبيح، ويبغض إليه النصيح”.

وعلاج هذا المرض:
أن لا يهتم الممدوح أو المذموم بثناء الناس ومدحهم، وأن يجعل الإنسان المدح والذم حافزاً له لتقدم والكمال، فإن مدح في علمه فعليه أن يزداد علماً، وإذا ذم عليه أن يرجع إلى نفسه، فإن كان فيه عيب أصلح ذلك العيب، وإن لم يكن به عيب، عليه بمراقبة نفسه لئلا يقع فيه.

وعلى الإنسان أن يعلم أن مدح الناس وذمهم ورضاهم غاية لا تدرك.

روي أن لقمان الحكيم قال لولده في وصيته: “لا تقلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم فإن ذلك لا يحصل، ولو بالغ الإنسان في تحصيله بغاية قدرته”.

المحور الثاني: آثار المدح والذم

هناك نصوص شريفة واردة في موضوع المدح والذم، فنجد كثيراً من النصوص تذم عملية مدح الآخرين، لما للمدح من آثار سيئة على النفس.

فكم من شخص مدح في أمر فتركه ظناً منه أنه وصل إلى القمة في ذلك العمل.

وكم من شخص مدح شخصاً فدخله الغرور والتكبر.

فكل هذه الأمور من الأخلاق السيئة التي تفسد الإنسان وتجعله من الحاسدين.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “من مدحك، فقد ذبحك”.

وقال أيضاً: “احترسوا من قول الإطراء والمدح، فإن لهما ريحاً خبيثة في القلب”

المحور الثالث: متى نمدح ومتى نذم

عندنا قاعدة وهي: “مدح من لا يستحق كبراً مذموم، ومدح من يستحق إصلاحاً وصلاحاً مرغوب”.

وقد مدح الله سبحانه وتعالى أنبياءه وأوصياءه، صلوات الله عليهم، كما مدح رسول الله صلى الله عليه وآله؛ أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وآل بيته عليهم السلام.

كما مدح بعض أصحابه أمثال: أبي ذر، وسلمان، والمقداد، ففي ذلك فوائد عديدة منها: إشاعة المثل العليا، وإظهار الأسوة الحسنة.

كما ذم الله عز وجل وأنبياؤه وأوصياؤه، سلام الله عليهم أجمعين؛ بعض الأفراد لما في ذلك من الإضرار، إذ إن مدح مثل هذا النوع من الناس يؤدي إلى إحياء المثل الهابطة، ودفع الأنفس للتحلي بتلك المثل الساقطة، مما يؤدي إلى ضغيانهم أكثر وأكثر.

عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم أنه قال: “إذا مدح الفاجر، اهتز العرش وغضب الرب”.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “أكبر الأوزار تزكية الأشرار”.

المحور الرابع: المدح والذم من الناحية الفقهية.

الفقهاء قد استنبطوا مجموعة من الأحكام الشرعية حول موضوع المدح والذم، وذلك للنصوص الشريفة الواردة.

ومن هذه المواضيع:

١- يستحب بيان فضائل الآخرين ومحاسن أخلاقهم، وهو مصداق لقول الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}.

٢- يستحب للمظلوم أن يذكر فضائل من يستنصره حثاً له على النصرة، فإنه يثير المحبة والغيرة والشهامة والمروءة.

كما مدح أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه في حرب صفين فقال:

يا أيها السائل عن أصحابي

إن كنت تبغي خير الصواب

أنبئك غير ما تكذاب

بأنهم أوعية الكتاب

صبر لدى الهيجاء

نسل بذلك معشر الأحزاب

٣- يحرم مدح من لا يستحق المدح، وكذا حمده والثناء عليه،  والمراد بمن لا يستحق: الجبابرة والظلمة، ومن لم يحكم بالعدل.

قال الله سبحانه وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.

٤- إن حرمة مدح الظالم هو بالحكم الأولى، وأما إذا اضطر إلى ذلك كان من الاستثناء “لأنه  ليس شيء مما حرمه الله، إلا وقد أحله لمن اضطر إليه”.


error: المحتوي محمي