ما لذةُ العيش إلاَّ للمجانين!

قال العذالُ لقيسِ بن الملوح: جُنِنْتَ بِمن تهوى؟ فرد عليهم قيس:
ما لذةُ العيشِ إلا للمجانين

يظن العقلاءُ أن المجانينَ لا يتنعمون وأنَّ المجانينَ أشقياء في جنونهم، وهل في الناس من هو أسعد من المجانين؟ يرضونَ بكل شيء، يفرحهم أيُّ شيء، لا يُحزنهم فقدانُ شيء، لا يُكلفهم أحدٌ بشيء، ولا يؤاخذهم الله بأفعالهم. لم أرَ مجنوناً يوماً حزيناً على أكلٍ أو هندامٍ أو وظيفة، ولا ما يجري في العالم من خيرٍ أو شر. ولم أر مجنوناً يوما يهتم لأمرِ الحياة والموت، ولم أسمع مجنوناً يوما يستغفر من ذنب. من لم يعرف الحب فليعرف جنون المحبين، ولمن لم يعرف الإخلاصَ في الطاعة فليجرب جنون المشتاقين. ليس المجانين إلا رحماء ومبدعين لا يسعهم هذا العالم؟

رمى أطفالٌ يوماً البهلول بحجارة فقال:
رُبَّ رامٍ لي بأحجارِ الأذى
لم أجد بدًّا من العطفِ عليه
فنصحهُ عاقل أن يشكو الأطفال لآبائهم، فقال: اسكتوا أيها المجانين فلعلي إذا مِت يذكرونَ هذا الفرح فيقولون: رحمَ اللهُ ذلك المجنون.

لهذا العالم القدرة على أن يحولَّ حياةَ العاقل إلى حطام ويقضي على الشعرةِ الفاصلة بين العقلِ والجنون، والعاقل من يجعل بينه وبين هذا العالم مسافةً واقية. وأأمن المسافات هي عدم الاكتراث بما يظن ويقول الناس إلا القليل منه. وأن يكون في الأغلبية التي طلب شخصٌ من آخر أن يحصي له المجانين في ضيعته، فأجابه: لن أستطيع عدَّ المجانين، لكنني سوف أعد لك العقلاء. فالناسُ في العقل صنفان: إما عقلاءُ المجانين أو مجانين العقلاء!


error: المحتوي محمي