لماذا أكتب

سؤال مستهلك وملحّ عند البعض: لماذا اكتب؟

رغم أنني لا أراه مستهلكاً أبدا، إنه سؤال أزلي تماماً كما نقول لماذا نتنفس؟ أو لماذا نعيش؟ ولعلي أعتبر الكتابة مهمة  ومسؤولية وطنية تعيد للبعض عافيته وتوازنه وثقافته الخلاقة، إلى جانب أنها مهمة ممتعة وخطرة في آن واحد والكتابة لا تخرج عن هذه الدائرة السحرية الأدبية إلا أنها تظل مجال دهشة و تساؤل! بالنسبة لي أنا أكتب لكي أرسم حياتي وحريتي وفكري.

ما أكتبه ليس مذكرات شخصية ولا يوميات، إنه تأمل في حياتي وحياة الذين أعرفهم وأحترمهم وأحبهم، لاسيما أهلي وناسي ومجتمعي دون الوقوف على الأطلال بما فيها من المرارة والعذوبة. هكذا نوع من الكتابة الذاتية أعتبرها ممارسة للحرية بل إنها رسالة عن الحرية الشخصية ليس إلا! ولكوني أعيش في مجتمعي أحاول ألا يفوتني ما أعيشه وما يعيشه الناس من حولي، علمتني أمي الراحلة “فاطمة الحياة” غير المتعلمة؛ الشفافية والتواضع والإحساس بالآخر،وجعلتني أحس بالناس بأفراحهم فأفرح لهم، وأحزانهم توجعني كثيرا، وباختصار فالأبراج العالية لا تشبهني وإلا سأشعر بالتعالي والسقوط بذات الوقت وسأخذل مجتمعي.

ما أود قوله أنه لا يوجد دستور أو قانون للكتابة بل ثمة بعض التوظيف لخبرتي وتجاربي في الحياة، وثمة ذكريات حين أمارسها بتلقائية وعفوية كما يبدو للبعض إذ أنني لست من النوع الذي يجزم بشيء ربما لهذا أكتب وأعيش كتاباتي بشكل عميق وجريء وبخليط من الحياء والأدب، وأجد ملامحي في كل عناوين نصوصي والتي جعلتني واضحة ومكشوفة  للآخرين؛ الجزء الأكبر من كتاباتي يكون في الإطار الاجتماعي والإنساني والتي أحاول تناولها ووضعها في قالب أدبي يليق بعقلية القارئ دون تجاوز مني.

لحظات تمر أمام عيني أكون فيها أحوج إلى الصراخ لإيصال صوتي، ولحظات أخرى تمر أحتاج فيها لمخاطبة الضمائر الإنسانية، هناك أشياء مريرة تشدني للكتابة، ولكني حملت وجع الزمن دهرا واستطعت أن أوحد الحروف بود ومحبة وأن أوزع المفردات على البياض هنا رغم أن البعض يتهمني مجازا أنني أحاول إغراق القارئ في الغموض والتشتت والتيه بلا معنى! ولكني تمكنت أن أحيا بالكتابة حيث إنني أتخذها دواء شافيا للكثير مما أعانيه. وأنا موجودة في كل ما أكتبه الذي لا يفترق عني أبدا، غير أنه أيضا صدى لروحي دوما هو الإحساس الذي يغطي مساحة بوحي كله، أو أكاد أن أجسده من الداخل والذي يجعلني أحمل صدق مشاعري بين أكفي وأضلعي، والتي تخرج من روحي وتحمل بعضا من ملامحي. نعم أكتب لذاتي لأعمق ولأحقق صوتي الإنساني والاجتماعي ببعض من الجرأة والصدق والمغلف ببعض الجروح والطموح.

وهنا أكتشف بغتة دون أن أدري أو أقرر أن ذاكرتي تتدخل في معظم كتاباتي لتدوين شيء من الخصوصية ببعض القلق والوجع لوجود روحي في النص. وتلك الخصوصية لعلي أسميها الجزء الآمن من فكري، إنها لحظة الدهشة، لحظة اليقين وهذه حقيقة حد الصدق التي تمنحني بحرا من أسرار البوح المسموح والمتاح لي! يمكنني القول أيضاً إن الأوضاع نفسها تفرض شروطها وذائقتها وصورها في أحيان كثيرة، لكنني على يقين أن الكاتب الحقيقي هو الذي يفجر إحساسه وهو الذي يترك بصماته واضحة بين السطور، بجرأة وقوة؛ لذا أجد نفسي جالسة أمام ورقتي البيضاء أتباهى بها حتى أصبح حرفا سابحا بين السطور، ولعلي أجد نفسي نصا مقروءًا في المجتمع.

وأخيرا كأنني أردت أن أختصر أو أختم بالسؤال والجواب معاً رحلتي الكتابية، لكن رغم ذلك يظل الكاتب يفكر ويكتب غير ملتفت لبعض الاستخفاف من البعض، ولمقولة من كتاب الحكمة الصينية: “إذا لم تجد ما تبحث عنه داخل نفسك، فأين يمكن أن تذهب للبحث عنه؟” لهذا أجدني وأنا أبحث في مفارق الحياة الصعبة لا أدري إلى أين أتجه، أو إلى أين تتجهُ بي الحياة، وهذا يجعلني وغيري نحن أصحاب الأقلام النزيهة الهادفة أكثر قلقاً وتساؤلاً ونحن نبحث هنا وهناك من أجل المجتمع.


error: المحتوي محمي