القرار

قبل عدة سنوات لامني أحد الأصدقاء على دفن ميت لنا في مقبرة غير مقبرة قريتنا التي نشأنا فيها؛ معللًا ذلك بأن كل الجيران وأبناء القرية سيستنكرون علينا مثل هذا التصرف، فذلك شيء لم يكن متعارفًا عليه في مجتمعنا، فأجبته وأنا متعجب مما قاله: وما الفرق إن كان الميت دُفن هنا أو هناك؟ فالأرض هي حاضنة الإنسان، ومنها يولد، وإليها يعود وسيتحلل جسده بعد مدة وجيزة، والروح مثواها ومستقرها الأخير إلى خالقها، فما الغريب في ذلك؟ فشرد طويلًا، كأنني أفسدت عليه سؤاله، وتشاغلت أنا عنه؛ فالظرف لا يسمح لأي زيادة في مثل هذه المواضيع، لم يلبث سوى لحظات حتى أتبع سؤاله بسؤال آخر لا يقل ثقلًا عن الذي قبله: طيب وأين ستقيمون مراسم العزاء في هذه الحالة؟ لا تقل لي أيضًا لن يكون في مسقط رأسه، وبين أهله، وأبناء قريته ! حينها فعلًا أغاظني، ولكني أخفيت ذلك بابتسامة مصطنعة، وتعمدت شكره على سعيه وعزائه؛ حتى أقطع عليه هذا الحوار الممل!

انتهى الحديث بيننا، ومضى على ذلك سنوات طويلة، وفي يوم من الأيام جاءني اتصال من الصديق نفسه، يدعوني لحضور زواج أحد إخوانه، فباركت له وسألته: أين سيكون مراسم حفلكم البهيج إن شاء الله؟ فصعقتني إجابته، حين قال: سيكون في مكان بالقرب من بيت فلان في المنطقة الفلانية، قلت له: أوَ ليس هذا المكان يبدو بعيدًا بعض الشيء عن قريتكم، قال: نعم، وأردف مبررًا : ماذا نفعل؟ القسمة والنصيب! حينئذ استرجعت كلامه في تلك السنة، وتعجبت لتبدّل موقفه الغريب وقراره المفاجئ.

الحكمة
إنه أحيانًا ليس من حقّك التدخل في قرارات غيرك والاعتراض عليها؛ لأن حوادث الدنيا تدور في رحى المتغيّرات، وليس ببعيد أن تجد نفسك فجأة أمام الموقف ذاته، فلا تجد حلًّا ينقذك منه سوى تنفيذ القرار الذي كنت يوم من الأيام تستكثره على غيرك!


error: المحتوي محمي