ناصر سلمان أحمد الصادق موهبة مميزة في قراءة القرآن، وإقراض الشعر، عندما تستمع إليه تستمع إلى شخص يتحدث بنعم الله في كل لحظة، في كل مرحلة من مراحل حياته يتلمس الخير في الآخرين، ولا يجد في حياته صعوبة يذكرها، رغم فقده للبصر في الشهر السادس.
«القطيف اليوم» التقته في مركز رعاية المكفوفين، الرضا لا يفارق كلماته، يقول ابن صفوى: ولدت عام 1370هـ، 15 مايو 1951 م، وسكنت القطيف، تدرجت في الحياة، وتعلمت منها، في الماضي لم تكن هناك مدارس، وعندما فتح المعهد أبوابه عام 1976م التحقت بهذا المعهد، وعشت فيه فترة من أجمل مراحل حياتي، كانت لنا أنا وزملائي أحلام عريضة، بدايته كانت في الشماسية، ثم انتقل إلى المعهد الكبير بالقطيف.
ويواصل الصادق: “بعد 12 عامًا انتهت بالنجاح وتركت المعهد، وتفرق كل منا إلى طريق، ولكن ما زلنا على تواصل سواء عن طريق الهاتف، أو من خلال الزيارات، وما زالت ذاكرتنا تختزن تلك الأيام الجميلة التي عشناها في المعهد”.
ألعاب الصغار
فتح الصادق صندوق ذكريات الطفولة، وتلك الألعاب التي كان يلعبها مع رفاقه، فيقول: فقدت بصري في الشهر السادس من عمري، ورُزقت بإخوة وأصدقاء كانوا دائما نعم السند لي، ولكني اعتمدت على نفسي في الحركة والمشي، لم أجد صعوبات تُذكر؛ لأني اعتدت الأمر منذ الصغر، ولعبت كل الألعاب، مثل التيلة، والكانة، والكرة، والدوامة، وغيرها كثير، وكنا نلعبها اعتمادًا على السمع، فسبحان مَنْ يمد السمع والبصر!
أول القصيد
وعلاقته بالشعر علاقة تبدو غريبة، يقول عنها: لم أكن أعرف الحروف، ولا شكلها، فقط أعرفها سماعًا، وكنت أنطق بكلمات، يقال عنها أنها “مهلهلة” ثم بعد المعهد تعرفت على الحروف والكلمات، وكان معنا الشاعر وجدي محروس المحروس، فكنت أكتب لفترة، ثم انقطعت لمدة أربع سنوات، إلى أن أتى الشيخ إبراهيم زهير، الذي بدأ تقليدًا ممدوحًا؛ بإقامة موالد أهل البيت – عليهم السلام – فكنت من أوائل المشاركين، وأذكر أن أول قصيدة كتبتها كانت تقول: أسبغ الدهر نعمة لن تضاهى، بولي الأنام أحمد طه
وأذكر أن هذه القصيدة قرأتها على الشيخ عبد الكريم الحمود في إحدى الحسينيات، فصرت أشارك منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
الشعر مزحًا
ويواصل “الصادق” حديثه عن الشعر، الذي كان بطرفة لا ينساها، فيقول: في إحدى المرات قابلت شخصًا كان من المدخنين الشرهين، فقلت له جنة أنت والدخان جهنم … كيف بي والفراق صعب وأعظم.
فرد ممازحًا: لا يجوز الشعر يوم الجمعة! ولكني لم آخذ بمزحته، وكتبت القصيدة، وأتبعتها بقصيدة طويلة عن إنسان يدخن وهو فقير، وقد كانت عبارة عن قصيدة “رباعيات”، ألقيتها في مدرسة بصفوى، ولا أنسى ممازحة الأخ عبدالكريم، الذي ارتجل أبيات شعر عن “أبي داود، وهو الاسم الشائع للتريلا”، كما كان يطلق عليها في ذلك الوقت، وكانت الحوادث كثيرة في ذلك الوقت، وأكملت قصيدته ممازحًا.
يتنفس الصادق الصعداء.. “عشنا هذه الحياة الجميلة، وما زلت بين إخوة محبين يتسمون بالطيبة” ولله الحمد.
عالم الكتب
وللصادق علاقة قوية بعالم الكتب والقراءة، الذي أكد لنا أنه لا يعتمد قراءة برايل كثيرًا في اطلاعه على ما يريد من المعارف، ويقول: في الماضي كان ابن عمي وأخي محسن يقرآن لي الكتب، ثم بعد أن تزوجت كانت الزوجة الطيبة “أم علي” تقرأ لي كثيرًا، ولكن قلت القراءة الآن بسبب مشغوليات الحياة، وحتى في الماضي كانت لدينا المكتبة الناطقة، أحيانًا نستمع 6 ساعات.
قارئ القرآن
وبالعودة إلى قراءة القرآن، أوضح أن البدايات، كانت قبل المعهد، وقال: “وقتها كنت حفظت نصف القرآن تقريبًا، بالتسميع والحفظ، على مدار ثلاث سنوات تقريبًا، وتتلمذت على يد عبد الله داود، كان حفظ القرآن ميسرًا، وكنت أستمع للقرآن في الراديو كثيرًا من الشيخ الحصري، والشيخ المنشاوي، ومحمد رفعت، في القراءات المرتلة، وأيضًا الطريقة العراقية، التي فقدت الآن، ومن الشيوخ السعوديين أحب قراءة الحجازيين، مثل الشيخ الداغستاني، وبعد افتتاح المعهد لم أتابع القراءة، لكن مصحف برايل يسر لنا، والتحقت بدورتين للتجويد في مسجد الكوثر، والآن هناك قراء كُثر في القطيف، مثل السيد محمد هاشم، وغيره، وغالبيتهم يقلدون المنشاوي في الترتيل، والقطيف منطقة جميلة، مَنّ الله عليها بكثير من النعم، بارك الله فيها في كل شيء، وشاركت في مسابقات قرآنية في صفوى والقطيف والكويت.
المكتبة الناطقة
وأشار إلى أنه كان من أوائل الملتحقين بمركز رعاية المكفوفين، ويقول: المركز أنشئ بجهود الطيبين، وعلى رأسهم على غزوي، ومنذ إنشائه كنت معهم، وكنت من المواظبين، وكنت أتمنى مكتبة صوتية ناطقة حرة، كلٌ يستمع إلى ما يحب من الكتب، ولدي سيديهات مسجل عليها بعض الكتب المقروءة، وبمعاونة مهدي علي حسن العسيف، وهو من الإخوة النشيطين في التسجيل، ويعطينا ما يتمكن منه، وإذا أراد الإخوة في مركز المكفوفين فنحن جاهزون لتزويد المكتبة.
أمنية ونصيحة
في ختام اللقاء قال الصادق:” أتمنى أن يكون أبنائي: علي، وزينب، وفاطمة، الزهراء، وزكية، ومحمد أفضل مني، أما النصيحة: ألا يضيع أحدٌ وقته إلا فيما هو مفيد، قراءة واطلاع، وسماع ما هو مفيد”.