هل تخيلت يومًا أن تحمل دمية مقتبسةً من ملامحك، أو أن تكون ميداليتك عبارة عن وجه كرتوني، تفاصيله مقتبسة من تقاسيمك، ببساطة هذا ما تفعله الفنانة التشكيلية إيمان السيهاتي.
السيهاتي على الرغم من إجادتها الرسم بصورة احترافية إلا أنها لم تفكر في تطويعه لرسم اعتدناه عند أغلب فنانينا، بل اختارت لنفسها مسارًا خاصًّا لا يشاركه به غيرها، بعد أن استغلت موهبتها في صناعة هدايا يدوية بسيطة، بين كروت التهنئة، وفواصل الكتب بلمساتها الخاصة، انتهاءً بميدالياتها الشخصية، التي تقتبس ملامحها من ملامح زبائنها، تصنعها من قطعة قماش، وألوان خاصة، وشعر مستعار، والقليل من لطخات المكياج، لتنتهي بصورة كرتونية تشبه إلى حد ما الصورة التي أرسلها الزبون.
وراثة فنية
علاقتها بالفن لربما بدأت منذ تكونت أولى خلاياها، فهي ليست مجرد فنانة ولدت موهوبة، وإنما هي امتداد فني لعائلة امتلكت هذه الموهبة، وأورثتها لأبنائها، عن ذلك تقول إيمان: “أنا من أسرة فنية خالقة، فجدي لوالدتي “صالح” فنان، وأخوالي، وبعض خالاتي ورثوا موهبته، فهم ما بين رسام وخطاط، ولا يكاد يخلو بيت من بيوتهم من فنان من الجيل الصاعد من أبنائهم”
ريشة الأخ قدوة
وكأي فنان لابد لريشتها الفنية من قدوة، تحتذي بها في خطواتها، وقدوتها لم تتجاوز جدران المنزل، فمنذ الصغر تتبعت “السيهاتي” خطوات أخيها الفنان التشكيلي “إبراهيم” وهو يرسم لوحاته، تُمْعن النظر فيها، تراقبه جيدًا ثم تحرك ريشتها في رأسها الصغير، وتقلده بكل سعادة.
دفاتر مُسَطَّرة و”خشبية”!
تتنوع خامات إيمان الفنية، فمن بين قماش، وألوان مائية، وأوراق خاصة، وصوف، وغيرها الكثير من الخامات، تنتج لوحاتها التذكارية لزبائنها؛ ولكن هل كانت الفنانة الطفلة تستخدم ذات الأدوات؟ تضحك وهي تجيب: “لم تكن لدي الأدوات حقيقة بشكل كامل، كنت أرسم على دفاتري المسطرة، وبألواني الخشبية العادية التي أحبها كثيرًا، أما كراستي المدرسية فقد كانت تنتهي أوراقها في أول أسبوع من الدراسة”.
في غير التخصص.. والتشجيع إشادة
رغم أن أغلب متابعيها يشيدون برسوماتها، وما تنتجه، إلا أن السيهاتي اعتمدت على موهبتها أكثر من اعتمادها على الدراسة، خصوصًا دراسة منهج التربية الفنية في المدرسة، تستعيد لنا ذكرياتها متحسرة: “حقيقةً في المدرسة لم تكن المناهج تساعد لإبراز المواهب، وللأسف لا توجد حتى الآن معلمات فنية بمناهج متنوعة، تبرز المواهب إلا فيما ندر، خصوصًا في الفصول التأسيسية بالمرحلة الابتدائية، فقد نجد معلمة علوم تعلم الفنية في غير تخصصها؛ فتضيع المواهب إن لم تجد من يحتضنها منذ البداية.
وتضيف لـ«القطيف اليوم»: “في المتوسطة والثانوية استمتعت بما أقدمه، ولاحظَت المعلمات أن لدي موهبة، ولكن على زمني لم يكن هناك احتضان للمواهب أيضًا، فقد كن يشدن بالإعجاب، وننال ما نستحق من درجات فقط لا أكثر”.
أما عمّا أبرز موهبتها وطورها، فهي تعزو ذلك لمواقع التواصل الاجتماهي، وتحديدًا الإنستغرام.
صوف، وملابس صغيرة، فكرة عابرة بدأت بنسيج الصوف، تضع شعرًا اصطناعيًّا لبعض الرسومات، ثم تطورت أكثر وأكثر وبدأت بإضافة قصاصات قماش، وملابس صغيرة وغيرها، هكذا بدأ مشروع إيمان، وهذه باختصار حكاية إبداعها.
عن ذلك تقول: “الحقيقة أنها فكرة وليدة مخيلتي، لم تكن فكرة مقتبسة بل كانت ابتكارًا مني”.
وتضيف: “بعد الصوف والملابس الصغيرة توالت الأفكار، وما دمنا نملك الشغف والحب فيما نصنع؛ ستتوالى أفكار غيرها وأكثر”.
ابتكارات
“دائمًا إذا كان العمل يصنع بحب وشغف يرتقي للأفضل” بهذه الجملة تحدثت السيهاتي عن ابتكاراتها في الهدايا الفنية التي تصنعها بيديها، مضيفةً: “أطمح دائمًا لتجديد، وعمل ابتكارات متميزة، أعشق التميز في عملي، وأحب أن أطرح أفكارًا غريبة وجديدة، لدي أفكار متميزة، وكل عام أبتكر شيئًا جديدًا كيلا يمل المتابعون مني”.
وتتابع: ” بين كرت تهنئة، وهدايا مولود، أو دمية طفلة، أجدني دائمًا أصنع من اللا شيء شيئًا مختلفًا تمامًا ليصفه زبائني بعد ذلك بـ “المبهر” ولأنني أحب عملي فإنني أركن إلى الفن غير المستهلك والأفكار المتجددة الغريبة”.
دمى مريم
وردًا على سؤالنا عن بداية رسمها للوجوه على القماش أجابت: “البداية كانت مع أختي المصممة مريم، فالدمى الكاملة كانت تعاونًا مشتركًا بيني وبينها، هي تخيطهم بالكامل، وتصمم ملابسهم، وتبدع فيهم بشكل متميز وجميل جدًا، حيث إنها في الأساس مصممة ملابس أطفال مع دماهم التي تشبههم، ليتأتي بعدها دوري في رسم الوجوه فقط، هذا بالنسبة للدمى الكاملة، ثم خطرت ببالي فكرة الميداليات؛ فعملنا تجربة لطيفة ونجحت، وبعدها توالت الطلبات، وأصبحت منتجًا ضمن منتجاتنا، وأخذ ذلك المنتج يتطور يومًا عن يوم بأفكار متجددة”.
تعزو إيمان سر نجاح مشروعها في الميداليات الشخصية لمريم، مؤكدةً: “عملي أساسًا مرتبط بأختي، فنحن نكمل بعضنا، هي تخيط وأنا أرسم، وفكرة الميداليات لولاها لما جاءت على بالي، لأن الدمى كانت فقط بعيون عبارة عن نقطة بالخيط، ثم فكرت أن أرسم ملامحها، ونالت الفكرة استحسان الجميع ومنها انطلقنا”.
بين خامة وتوقيت
تلك الميدالية التي لا يتجاوز حجمها حجم كفك، تستهلك من صانعتها ساعة كاملة، إلا أنها ساعة موسومة بالتركيز، مزدحمة بالكثير من الخامات، فهي تستخدم لها القماش، والصوف، والشعر المستعار، والألوان المتناسبة مع الأقمشة والمكياج.
أما عن سعرها فتبين السيهاتي: “الميدالية العادية لا تتجاوز الـ 30 ريالًا، والميدالية الشخصية 100 ريال”، معقبةً: “الشبه عبارة عن كركتر مقارب وليس نسخًا لأبرز الملامح المتميزة في الشخصية”
وعن الفئة التي تقبل على شرائها ومواسم طلبها توضح: “زبائني من جميع الفئات؛ فلدي أمهات يطلبنها لأبنائهن، وخريجات، وطالبات، وموظفين، وممرضات، كما أن الزبائن عندي من كلا الجنسين، وبالنسبة لمواسم الطلب، فأغلبها تكون في الأعياد، ومواسم التخرج، وأيضًا بعض المناسبات الخاصة كـ”الفلنتاين”.
أما عن المناطق فطلباتها من القطيف، والدمام، وسيهات، كما أنها تحظى بطلبات من خارج المنطقة كمكة والرياض وجيزان، أما خارج المملكة فمن عمان والبحرين ودبي.
ذكرى ومواقف
حين فكرت السيهاتي في تطبيق فكرتها برسم ملامح كرتونية مقتبسة من ملامح شخصية حقيقية، اختارت ابنتها زهراء لتكون أولى تجاربها، وما إن بدأت بعرض العمل النهائي لميدالية طفلتها حتى حظيت بأعجاب من حولها، تعلق على ذلك: “شعرت أنها تركت أثرًا قويًّا، على الرغم من أنني أجدها عادية إذا ما قورنت بأعمالي الآن”.
وعن ذكرى أول لوحة رسمتها كطلبية لأحد متابعيها فتذكر: “وهي كانت أول طلبية مدفوعة، من متابعة لي على الإنستغرام، وهي عبارة عن رسمة لبنت مع نعامة، وأتذكر أن الزبونة طلبت أن أرسم صديقتها بملامح تشبه النعامة، فعلى حد قولها: “صديقتي تشبه النعامة” وعملت جاهدة أن أخرج بتصميم لبنت من مخيلتي عينيها واسعتين، ورموشها طويلة، وبجانبها نعامة، وقد حازت على إعجاب زبونتي كثيرًا”.
وعن أطرف الطلبات تضحك وهي تقول: “ذات مرة إحدى الزبونات طلبت مني ميدالية شخصية، وقالت ضبطي أنفي، اعملي له عملية تجميل”.
ردود المتابعين
تعتمد السيهاتي دائمًا على ردة فعل متابعيها تجاه أفكارها، في استكمال الفكرة أو تطويرها، تقول: “قبل أي فكرة أبتكرها أو أي منتج جديد، لابد أن أشارك صورته في حسابي على الإنستغرام، وأرى ردود فعل المتابعين، ومدى رضاهم، بعدها أطرحه كمنتج” مضيفةً: “أؤمن أن خلف كل منتج رائع متابعين رائعين، كما أؤكد على أنهم حقيقة سبب نجاح مشروعي”.
صعوبات
تستمتع إيمان بعملها لدرجة تنسيها أي صعوبة أو عرقلة فيه، لذلك هي تختصر العقبات في عملها بقولها: “في البداية كنت أعاني من صعوبات في الطلبات الخارجية فقط من بريد، وتحويل مبالغ، بعدها مع الممارسة وثقتي بزبائني وثقة زبائني بي أصبحت الأمور سهلة، وكل تجربة أقوم بها في الطلبات الخارجية أعتبرها درسًا جديدًت أتعلمه”.
ولادة موهبة ودعم
إيمان المنحدرة من مدينة سيهات، أم لم تطرق أبواب الأربعين بعد، لها من الأبناء ولد وبنت، وقد ورثت ابنتها موهبة أمها، عن ذلك تقول: “ابنتي الصغيرة زهراء برزت موهبتها منذ نعومة أظفارها، وتطورت كثيرًا الآن، وقد تفوقت وتميزت عليَّ برسم الديجتال، فهي ترسم بالورق والديجتال، وتبرع في كليهما”.
وعن دعمها لابنتها تختم بقولها: “أنا محاطة بعائلة داعمة لي، أسرة رائعة داعمة ومحفزة؛ زوجي، ووالدتي، وإخوتي، وأخوالي، وأبناؤهم وبناتهم جميعهم داعمون، فلكل منا موهبة يدعم فيها الآخر، لذلك كما ورثت موهبتهم ورثت دعمهم أيضًا، وهو ما تمثل في دعمي لابنتي؛ فأنا ووالدها نوفر لها كل الأدوات التي تحتاجها، كما أن والدها عندما تنبه إلى ميلها للرسم بالديجتال ابتاع لها جهاز آيباد برو واشترى لها برامج رسم، وما شاء الله تطورها سريع في رسم الدجيتال، وقد أنشأنا لها صفحة خاصة على الإنستغرام، وكم كانت فرحتي كبيرة حين تفاجأت بثلاث طلبات خاصة بأجر من متابعيها، وأتمنى أن يبرز اسمها أكثر، وتنهال عليها طلبات الزبائن أكثر وأكثر، فمن الجميل أن ينتفع الإنسان من موهبته”.