تدخل كلمة المرور، وتفتح هاتفك النقال، ثم تبدأ جولتك حول مواقع التواصل الاجتماعي، في الزاوية اليمنى من هاتفي يقع تطبيق أنستغرام؛ تجد هناك الحقائب، والاحذية، ومنتجات هيرفينتي، إلى جانبه تطبيق سناب شات؛ حيث يتنافس “جولي شيك” و”شي إن” لجذب الانتباه لما وصل حديثًا من ملابس عصرية، وأنيقة صنفت؛ ليسهل إيجاد ما تحتاج – أو ما لا تحتاج – من ملابس للعمل، وللمناسبات الخاصة، للعطلة، وغيرها. أتجاوز الحاسبة، والإعدادات، لأصل إلى تويتر في الطرف الآخر من الشاشة، لأصادف عروض العقارات المقسطة، وحبوب التخسيس”المضمونة” المرتبطة بحسابات مجهولة اجتهدت في نشر منتجاتها في كل هاشتاق متداول في المملكة، إلى جانبه مباشرة تقع منصة العرض العالمية اليوتيوب، التي تذكرك قبل كل فيديو تشاهده بشراء وجباتك المفضلة من: هنقرستيشن، أو كاريدج، وأخيرًا هناك الواتساب، خيار الأمهات المفضل، فلا داعي ان تشغلي نفسك بالتسجيل في التطبيقات المختلفة، وتتبع الشحنات المتأخرة في وجود من يقدم لك مختارات من تطبيق نون، وإن كانت بأضعاف سعرها الأصلي.
هذه حياتنا المعتادة، فلوحات الإعلانات المعلقة في الشوارع، أو على أبواب المحال لم تعد كافية للمحافظة على رغبة الشراء المستمرة لدى العملاء، بل صار لازمًا عليها أن تدخل إلى البيوت؛ لتحفزك لشراء المزيد من المقتنيات كلما أمسكت هاتفك النقال.
الإعلانات المكثفة التي جاءت متزامنة مع طفرة التسوق الإلكتروني، ومتحدة مع مشاهير التواصل الاجتماعي أدت بالعديد من الأشخاص إلى هوس التسوق، وإن لم يكن في أسوأ صوره؛ فهوس التسوق اضطراب مرضي، يدخل صاحبه في حالة من التوتر النفسي والعصبي، حتى يقوم بشراء أحد الأشياء، وإن لم يكن بحاجتها، إنها الحالة التي يواجهها العديد من رواد التسوق الإلكتروني؛ حيث يصعب عليهم تجاهل عروض الخصم الأسبوعية، أو التوصيل المجاني.
هناك عدة أسباب ذكرت في علم النفس لإدمان التسوق، تتلخص في الشعور بالحرمان، وصعوبة التكيف مع المواقف الصعبة، أو حاجة الإحساس بالمشاركة في المجتمع، فهل يعقل أن تكون هذه الشريحة الضخمة من المجتمع تعاني من الشعور بالحرمان؟ إن انتشار هذه الظاهرة، ومعرفة الأسباب التي تقف خلفها تدعو إلى القلق حول الصحة النفسية السائدة في المجتمع، فالإفراط في التسوق لا تكمن خطورته في استهلاك الأموال فحسب، بل قد تمتد للشعور بالاكتئاب؛ بسبب المال الذي صرف في غير موضعه، أو بسبب عدم امتلاك المال الكافي لإشباع الرغبة الشرائية.
على المجتمع أن يداري أبناءه من الوقوع في أسباب، أو نتائج هذا الهوس؛ بمواجهة نفسه بالأسباب النفسية المؤدية إليه، فلماذا ينتشر الشعور بالحرمان وعدم الرضا؟ وما الذي يدفع الفرد للإحساس بأنه ليس مشاركًا في المجتمع الذي يعيش فيه؟
الإفراط في التسوق هو عرَضٌ، وليس نتيجة لمشاكل، أو صعوبات يوجهها الفرد، قد تؤدي به إلى أكثر من هدر المال، ولا بد من علاجها؛ حتى لا يسهل تحفيز هذه الرغبة بالإعلانات التي نحملها في جيوبنا، ويتعذر علينا تجاهلها.