هل تطبق شركات البترول مبدأ «الإنسان أولًا»؟

اكتشف رينولدز حقل مسجد سليمان النفطي عام ١٩٠٨، ليكون أول حقل يكتشف في منطقة الشرق الأوسط، ثم انتقل إلى فنزويلا واكتشف حقل روزا النفطي عام ١٩٢٢.

إن رينولدز والكثيرين من أقرانه خير مثال على أهمية الإنسان القصوى في الصناعة البترولية. وفي المقابل، تعرضت صناعة البترول إلى كوارث فنية وبيئية واقتصادية نتيجة إهمال بعض موظفيها أو عدم كفاءتهم، فمثلًا تسببت كارثة السفينة “فالديز” التابعة لشركة “اكسون” عام ١٩٨٩ في تسرب النفط، مما كلف الشركة خمسة بلايين دولار، وأدت كارثة ماكوندو في خليج المكسيك إلى الحريق الذي أتى على المنصة البحرية عام ٢٠٠٦، ففقد إثرها أحد عشر عاملًا، وخسرت شركة البترول البريطانية عشرات البلايين من الدولارات كتعويضات للمتضررين.

وهناك الكثير من الأخطاء الفنية التي قد تحدث ويتم تبريرها لغير المختصين، منها مثلًا:

أخطاء في حفر بعض الآبار مما يرفع تكلفة البئر إلى عشرات الملايين من الدولارات.

أخطاء في إدارة المكامن البترولية قد تتسبب في خسارة احتياطيات تقدر ببلايين البراميل.

أخطاء في تصميم وتنفيذ بعض المشاريع قد تؤدي إلى رفع التكلفة ببلايين الدولارات.

أخطاء في تطوير الحقول قد تؤدي إلى نصب منصات بحرية لا يمكن استخدامها، و تبلغ تكلفتها مئات الملايين من الدولارات.

تبين فيما سبق أن الإنسان في الصناعة البترولية يستطيع أن يوفر بكفاءته أو يكلف بجهله البلايين من الدولارات، لذلك فإنني أدعو شركات البترول إلى تطبيق مبدأ “الإنسان أولًا” في إدارة الصناعة البترولية، ولكن كيف؟

آن الأوان أن تطبق الشركات البترولية ثلاث قيم مهمة جدًا مع العاملين والموظفين في الصناعة البترولية، وهذه القيم هي: الكفاءة، والعدالة، والشفافية.

والكفاءة هي المهنية والمعرفة و الخبرة في التخصص المطلوب، وتطبيق أحدث التقنيات المعمول بها عالميًا.

ولكن كيف يتم اختيار وتوظيف وتطوير هذه الكفاءات؟ هنا يأتي دور العدالة في إعطاء كل ذي حق حقه، فلا تمييز في التوظيف، ولا محاباة في التطوير وتنصيب الأشخاص في الوظائف القيادية، ولا حرمان لأحد أو مجموعة تتسم بالكفاءة من التوظيف والتطوير.

وحين نضمن الكفاءة و العدالة، يصبح التنافس شريفًا، فمعيار الأداء والتقدير السنوي هو الإنجاز و الإنتاجية، وهذا هو النظام المعمول به في الصناعات المتطورة.

ولكن كيف تتأكد الشركات من ترسيخ قيم الكفاءة والعدالة؟ يتم ذلك عبر تطبيق مبدأ الشفافية، ونشر أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التوظيف والتطوير داخل الشركة وخارجها، كأسماء المتقدمين للتوظيف والمقبولين منهم، وأسماء المرشحين لتبوؤ المناصب القيادية في الشركة وأسباب ترشيحهم.

نعم، قد يستغرب البعض من مستوى هذه الشفافية ويعتبره ليس عمليًا، ولكن الحقيقة أن إخفاء هذه المعلومات وعدم نشرها يتسبب في فقدان الثقة وزرع الشكوك وفسح المجال للتلاعب وعدم العدالة، ولذلك فقد بدأت الكثير من الشركات العالمية المدرجة في الأسواق العالمية في نشر تقاريرها السنوية عن التنوع ونسب التوظيف والتطوير والتأهيل للمناصب العليا من الطوائف والأعراق المختلفة، وهذا يمثل تطبيقًا عمليًا وحضاريًا لمبدأ الشفافية الذي يزرع الثقة ويلمس قلوب العاملين ويضمن كفاءة أفضل وعدالة أشمل.

أتمنى أن تكون شركات البترول هي السباقة لتطبيق مبدأ “الإنسان أولًا”، فالعاملون في هذه الشركات يستحقون العيش في أجواء الكفاءة والعدالة والشفافية، وتستحق احتياطيات البترول والغاز إدارة ناجحة تقلل الخسائر وترفع الأرباح وتحقق مستوى عاليًا من استخلاص البترول والغاز بمستويات اقتصادية.

——
– رئيس جمعية مهندسي البترول العالمية ٢٠٠٧.
– الرئيس التنفيذي لشركة دراغون اويل سابقا.


error: المحتوي محمي