ثقافة الشكر والتقدير والتكريم لمن أعطى وقدم هي منهج إنساني وإسلامي {إن شكرتم لأزيدنكم}، فكلما حصل الإنسان على نعمة فمن الواجب شكر المنعم، وهذا ما ينبغي لنا بناء منظومة تربوية تقوم على الثناء لمن يقدم الخير لمجتمعه، ففيه نشر ثقافة الشكر وتخلق قيمة أخلاقية فاعلة على ساحة المجتمع تبني درجات متصاعدة في نفسية جيل بثقافة العطاء والبذل والتقدير لمن يقدم الخير مالًا أو علمًا أو عملًا أو فكرة أو نصيحة أو مشورة.
إن السلبيات التي نلاحظها في منظومة بعض العادات النفسية القائمة هي تقليل قيمة العطاء، فيفقد مردوده التقديري في المجتمع وهو عامل تؤثر عليه تراكمات نفسية لم تستطع تقبل تقدم الآخرين بعطائهم فتقلل من قيمة ما اُعطي، أو نغلفها بمفاهيم وعناوين سلبية أخرى وإن كانت صورتها الخاصة تحمل عنوانًا جيدًا وهو العمل لله، فلماذا نشكر المعطي ولماذا نعطيه كل تلك الهالة الاجتماعية الكبيرة؟ أو نخلط العطاء بمجموعة إضافية فنركز على الهامش ليضيع الجوهر.
إننا للأسف نعيش بعض هذه الرواسب الثقافية التي لا يجني منها المجتمع سوى التقهقر، لأن القيمة الفعلية للعطاء أصبحت مملوءة بمشادات اجتماعية فردية في صورتها، أوسع في مضمونها وجوهرها، وما ذلك إلا بسبب ضعف مفردات الشكر والتقدير وتمجيد المعطي.
ولعل جدل الأوقاف الخيرية واستهلاك قيمتها في حوارات جافة أفقدتها الفائدة المرجوة منها، بينما أوقفها المحسنون لخير المجتمع لا لجدله الخاسر.
للصدقة بالمنظور الإسلامي صورتان، وهما صدقة السر وفيها قيمة عظيمة للمعطي والمعطى خصوصًا إذا كان ذا عفة، بل لحفظ ماء وجه الفرد العزيز، وصدقة الجهر وهي تعطي مفاعيل قيمية في المجتمع لما تبثه من مفاهيم أخلاقية وإبراز للمعاني النفسية للأفراد الذين قد لا يملك المجتمع صورة واضحة عنهم {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}، ومما ورد عن الإمام علي (ع): “إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه وتعالى، الإيمان به وبرسوله، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء”.
إن الصورة الصامتة بين كل الصور المفترضة تعني عدم اكتراث المجتمع في منظومته القيمية بأي قيمة للعطاء، مما يتساوى فيه الباسط والغالي، وهذه صورة لا ينبغي أن تتسع لأنها تقضي على أي وعي أو تشجيع لبناء مجتمع سخي.
ما نعانيه اليوم هو قصور حقيقي في ثقافة العطاء وضعف التقدير الفعلي للعطاء، ولعل أهمها هو غياب ثقافة الشكر لمن قدم لمجتمعه، فنظن غالبًا أن المعطي لا يحتاج لتقدير وما قام به هو لله وكفى.
مما ورد عن نبي الرحمة (ص): “لا يشكر الله من لا يشكر الناس”، وعن الإمام الرضا (ع): “من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل”، ومما ورد في وصايا الإمام السجاد (ع): “يا بني اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليها الشكر، وتلا: {لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}، هذه الروايات من كتاب الوسائل.
وأختم بالشكر الجزيل للأخ العزيز أبي خالد عبد الله الخنيزي على وابل فضله وتكرمه ببناء مغتسل ومصلى مقبرة الخباقة بتكلفة 3 ملايين ريال، والذي تقدم فيه قبل بضع سنوات بإعادة بنائها حتى قام المحسنون مشكورين بالتعاون لإيجاد مساحة جيدة يقام فيها هذا العمل الصالح.
والشكر موصول لكل من ساهم وسهل وشارك في إنشائه بتوفيق الله، لاسيما جمعية القطيف الخيرية وطاقمها الفني من المهندسين الأعزاء والإداريين، ومكتب المهندس وليد القطري الهندسي بما سيقدمه من عمل المخططات الهندسية للمشروع.
أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمالك، وأنت الخير الذي نشعر به جميعا في عطائك وخُلقك وصلتك بأرحامك ومجتمعك، فليجعل الله في كل حبة مئة حبة من الخير والثواب، وبمثلك فليعمل العاملون.