هل الكتابة في خطر؟

بلا أدنى شك، الكتابة في خطر. فالكتابة في عصر الصورة، تواجه حملة تصفية شرسة، فما عساها أن تفعل الكتابة، مهما استخدمت من تفاصيل ومؤثرات تقليدية، أمام “تسونامي الصورة” المدججة بالصوت والحركة والمرتبطة بالأداء والتفاعل والكثير الكثير من الحيل والأبعاد التي تمنحها الصورة.

الكتابة قديمة جداً، قدم الإنسان، ولا يمكن نكران فضلها في صناعة الحضارة والتنمية البشرية، منذ أن بدأت تُنقش على جدران الكهوف والمغارات، وتُكتب على ورق البردي وجلود الحيوانات، إلى أن تطورت خلال كل تلك القرون الطويلة والبعيدة، سواء على صعيد الشكل والمضمون أو الأسلوب والتأثير. مساهمات الكتابة بمختلف أشكالها ومستوياتها في قدح شرارة الثورة المعرفية والحضارة الإنسانية، لا يمكن الإحاطة بها، فضلاً عن نكرانها.

وثنائية الصراع/ المواجهة بين الكلمة والصورة، مرّت بالعديد من المراحل والمآزق، وقد استطاعت الكلمة بما تملك من بيان وخيال أن تكسب الكثير من الجولات والمنافسات، خاصة في بدايات تكوّن وتمظهر الصورة، ولكن الكفة بدأت في التأرجح والتذبذب بين الغريمين اللدودين -الكلمة والصورة- حينما بزغ فجر الفن التشكيلي بكل مدارسه وتأثيراته، ثم تتابعت الضربات الموجعة في وجه الكلمة، كاختراع الكاميرا الفوتوغرافية عام ١٨٢٦ على يد الفيزيائي الفرنسي الشهير جوزيف نسيفور نيبس، ثم ظهور أول فيلم سينمائي بالتاريخ عام ١٨٨٨ والذي حمل اسم “حديقة راواندي”.

وفي العصر الحديث، وتحديداً فضاءاته ومساراته الرقمية، قد تبدو المعركة محسومة للصورة. الكلمة تُغرد وحيدة وعارية من كل المؤثرات والتفاعلات التي تملكها “الصورة الرقمية” التي استطاعت أن تؤنسن تطبيقاتها ووسائطها لتكون أكثر قرباً وشبهاً بالإنسان.

الكلمة، تغرق في طوفان الصورة. ولم تعد المعركة متكافئة بين الطرفين، فكل المؤشرات والدلائل تؤكد على انتصار الصورة وهزيمة الكلمة.

يبدو أن “سحر الحرف” لم يعد مدهشاً وجاذباً، ولم يعد يصور ويعكس الواقع بشكل مبهر ولافت، ولم يعد يُفتن القراء والجماهير كما كان يفعل دائماً.

نعم، الكتابة في خطر، بل وفي خطر شديد جداً، فهي لم تعد قادرة على مواجهة “مكعب ضوئي” لا تزيد مساحته على عدة بوصات يملك كل أسرار ومفاتيح الدهشة والذهول.

نعم، “الكتابة والصورة” وجهان لعملة واحدة، ولكن “الصورة” أكثر لمعاناً وبريقاً من “الكتابة” التي لم تستطع الانعتاق من “صدر” الورق.

الرياض


error: المحتوي محمي