في تاروت.. بعد أن داهمهم السكري.. أطفال يتعايشون مع المرض بمساندة ذويهم

ظهرت أول بوادر أعراض مرضها عندما تجازوت العقد الأول من عمرها، تجهل الكثير عنه حتى اسمه، غزا جسمها الصغير متسللًا بأعراض خمول وتعب مع نزول مفاجئ في الوزن، ومع الفحوصات والتحاليل شُخّص على أنه مرض السكري من النوع الأول، والذي أحدث صدمة لعائلتها قبل علمها به.

إنها ابنة سيهات هبه العباس وعلى وقع هذا الخبر بدأت تنهال عليهم الأفكار السلبية وكأنها شارفت على انتهاء حياتها، ومع دخولها المستشفى خضعت إلى جلسات تثقيف حول كيفية التعامل مع السكري، والتعايش معه كمرض يلازمها مدى الحياة ويمكن السيطرة عليه.

واقتنع الجميع بضرورة تغيير المفاهيم من السلب إلى الإيجاب، وجعل المرض صديقًا للإنسان، وتجاوز المخاوف التي تخالجها وأولها الخوف من الحقن بالإبرة، بل تقوم بغرزها بنفسها في جسدها بعد تحديد الجرعة، لم يكن التثقيف للأسرة فقط بل امتد إلى داخل أسوار المدرسة؛ إذ كانت حينها في الصف الخامس، وقتها قدمت لإدارة المدرسة تقريرًا مفصلًا عن حالتها وطرق التعامل معها في حال دخلت في نوبة مفاجئة، وعليه وجهت جميع المعلمات والطالبات لملاحظتها في حال طرأ عليها أي تغيير.

واستمرت على هذا المنوال في جميع المراحل الدراسية، بعدها جاءت عتبة الدخول للجامعة وتحقيق حلمها الذي تتمناه بشغف وهو الالتحاق بتخصص صحي، إلا أنها وجدت عدم التأييد من المحيطين التحاقها بهذا المسار، عندها لجأت إلى طبيبة لنقل فكرتها وأنها قادرة على الدراسة، والتي بدورها قدمت لهم نموذجًا لتجربة حية لأحد الأطباء المصابين بالسكري من النوع الأول وله من الخبرة التي تصل إلى 35 سنة.

وتخرجت في جامعة الدمام بتخصص تمريض وتبعتها بدورة تدريبية للتثقيف الصحي بالسكري، التي أهلتها للعمل في مستشفى فهد الجامعي منذ أربع سنوات دون عائق، ومع مرور الأيام جددت تخطي الأفكار السلبية ودخول الحياة الزوجية وتجربة الأمومة التي لم تكن سهلة إلا أنها أثمرت عن إنجاب طفلة تبلغ حاليًا بضعة أشهر.

لاحقتها السلبين حتى مع صدور القرار بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، كيف لو تعرضت للنوبة وهي في الشارع، إلا لم تسمع منهم شيئًا يذكر، بل اتسع طموحها بتجربة هوية الغوص التي زادتها تحديًا وشجاعة لمواجهة مرضها.

تحدثت عن تجربة تعايش مع مرض السكري من النوع الأول في الورشة التثقيفية لمرضى السكر من النوع الأول، بعنوان “فكر واعمل كالبنكرياس 2″، ونظمت من إدارة المراكز الصحية بالقطيف بالتعاون مع أكاديمية طب الأسرة بالتجمع الصحي الأول.

وقدمتها نخبة من الاستشاريين في أمراض السكري والتغذية العلاجية، يوم السبت 6 صفر 1441، بمقر روضة الطفل السعيد النموذجية بتاروت.

من جانبه، تحدث محمد سعيد المويس ذو الـ12 ربيعًا لـ«القطيف اليوم» عن حداثة عهده بمرض السكري النوع الأول، الذي دخل جسمه عنوة منذ شهر، وطرقه بأعراض خمول وتعب عام، دخل على أثره المستشفى نتيجة غيبوبة وحموضة في الدم، فكانت صدمته هو وأهله أنه مصاب بالسكري وعليه أخذ الأنسولين وفق اتباع حمية وبرنامج غذائي محدد.

كان شعورًا مفاجئًا لهم جعلهم في حالة استغراب وهو يعيش مع عائلة لا يعاني أحد من أقاربهم بمرض السكري، مع ذلك قرر التعايش معه، ومتابعة حالته الصحية في مستشفى القطيف المركزي، مبينًا أن الفعالية أعطته باعثًا للأمل وأنه قادر على العيش بصورة طبيعية كسائر الناس من حوله.

من جانبه، علم استشاري جراحة عامة الدكتور علي إبراهيم العاقول بإصابة ابنته الوحيدة فاطمة بمرض السكري النوع الأول وهي في عمر سنتين ونصف السنة وذلك منذ 10 أشهر، والذي تعرض على أثره مع والدتها لصدمة نفسية اعتبرها طبيعية حيال ذلك، حيث تبادر إلى ذهنهم سؤال؛ كيف تتم مساعدتها مع صغر سنها؟

وقرر التعايش مع المرض وضبط وضعها الصحي بالتعايش معه بين أخذ الأنسولين مع الحمية وممارسة الرياضة، والقراءة والتثقيف المستمر لهم جميعًا، بل توسع في الاستعانة بالتقنية لفهم سلوك المرض عبر تنزيل التطبيقات التي تتبع وتقيس وضع فاطمة الصحي حتى عن بُعد منهم.

من جانبها، تحدثت فاطمة المحسن عن حالة ابنتها ذات الـ13 ربيعًا المصابة بالسكري الذي رافقها منذ أقل من شهرين، وبدأ مع سفرهم إلى تركيا في إجازة الصيف الماضي، حيث لاحظوا عليها الشعور بالتعب والعطش الشديد المستمر، وبعد رجوعها للبلد أصيبت بحالة قيء فتم أعطاها علاج خاص بها.

وبعدها زاد نزول وزنها واستمرار الإرهاق والتعب، وعليه تعرضت لعارض صحي أدخلها المستشفى، وبمجرد خضوعها للتحاليل الأولية اكتشفت إصابتها بمرض السكري مع وجود حموضة في الدم، وقتها استقبلت ابنتها المرض بالبكاء مع خوفها من أخذ الإبر، إلا أنها أدركت مع الوقت ضرورة التعايش معه عبر الحمية الغذائية وأخذ جرعات الأنسولين، بالإضافة إلى التثقيف المستمر حول ذلك المرض.

وفي ذات السياق؛ تكاتف 18 كادرًا طبيًا وصحيًا، مع 60 مصابًا وذويهم لمواجهة مرض السكر (النوع الأول)، في الورشة التثقيفية “فكر واعمل كالبنكرياس 2″، المنظمة من إدارة المراكز الصحية بالقطيف بالتعاون مع أكاديمية طب الأسرة بالتجمع الصحي الأول، يوم السبت 6 صفر 1441هـ، بمقر روضة الطفل السعيد النموذجية بتاروت.

وقادت الورشة نخبة من الاستشاريين في أمراض السكري والتغذية العلاجية، عبر تقديم 5 محاضرات تثقيفية، و6 أركان تثقيفية عرضت في المعلومات بصورة ورش عمل تتحدث عن؛ قواعد التعامل مع السكر أثناء المرض، وانخفاض السكر، والسكر والمدرسة، وأدوات القياس ومجموعة الطعام، وتحليل الغذاء والبطاقة الغذائية، والاستشارات الغذائية.

وبدأت الفقرات التي قاد دفة تقديمها مشرف الفعالية واستشاري طب الأسرة من أكاديمية طب الأسرة بالتجمع الصحي الأول الدكتور صالح آل ناس، بكلمة ترحيبية من استشارية طب الأسرة ورئيس أكاديمية طب الأسرة الدكتورة ندى البونيان شكرت فيها إدارة المراكز الصحية الأولية بقطاع القطيف والمنظمين للفعالية لتحضير المادة العلمية، وإعداد فكرتها لاستقطاب المرضى وذويهم للتوعية والتثقيف بالمرض، موجهة شكرها لجمعية تاروت على استضافة الفعالية.

وفي ضوء ذلك، كشفت الدكتورة البونيان لـ«القطيف اليوم» عن قرب افتتاح “وحدة السكر” في مركز صحي دارين، والتي جار تجهيزها بالمعدات الطبية والكوادر الطبية والصحية، وتعد الأولى من نوعها على مستوى التجمع الصحي الأول بالمنطقة الشرقية، وبإشراف إدارة المركز الصحية الأولية بقطاع القطيف.

وذكرت أنها تعد أحد الرعاية النموذجية التي يعمل على توفيرها التجمع الصحي الأول، بما تضم من اختصاصيي تثقيف صحي، وتغذية علاجية، وصيدلية، تحاليل، وأطباء يعالجون السكر، تحت إشراف الدكتور صالح آل ناس.

وبيّنت أن استقبال المرضى سيكون عن طريق حجز موعد، بالإضافة إلى أنها تعمل بالتنسيق بين مستشفى القطيف المركزي والمراكز الصحية التابعة له.

واستهل المحاضرات استشاري أمراض السكر من وحدة السكر بمركز صحي دارين الدكتور آل ناس بتقديم محاضرة “كيف يعمل البنكرياس” حيث أرجع خلالها مرض السكر إلى خلل في إفراز عضو البنكرياس لمادة الأنسولين، كاشفا عن التعريف الجديد له بأنه المرض الذي يحتاج رعاية ذاتية من المريض نفسه ويكون المحور الأساسي في الرعاية وهو من يقرر كم تكون الجرعة ومتى وذلك تحت إشراف فريق مختص.

وتطرق إلى بيان كيفية عمل عضو البنكرياس في إفراز إنزيم الأنسولين الذي يتحول إلى سكر جلوكوز لتوليد الطاقة الحرارية، في مجرى الدم، ليكون مفتاحًا لدخول السكر إلى خلايا الجسم، منوها بأن سببه مناعي ذاتي، إذ نجد أن الخلية تحارب نفسها وتحارب خلايا البيتا التي تفرز الأنسولين.

ولفت إلى أن مصادر سكر الجلوكوز الذي يمد الجسم بالطاقة، وينتجه الأنسولين من عدة مصادر؛ خارجية تتمثل في الأطعمة، ومصادر داخلية وتكون من عضو البنكرياس والكبد في حالة النوم والصوم والرياضة والمرض ويسمى هنا “الأنسولين الممتد القاعدي”، وعليه يجب تقدير كمية الطعام مع الجهد المبذول بدقة.

من جانبه، صحح استشاري طب أسرة من أكاديمية طب الأسرة الدكتور نزيه الخاتم 8 مفاهيم خاطئة حول مرض السكر وبيّن كيفية التعامل معها، وذلك في فقرة بعنوان “خرافات سكرية” المبنية على حقائق علمية ودراسات دقيقة في علم الطب.

ونفي الخاتم الأفكار التي تكون مصدر تدهور صحة المريض، وتنشأ من عدم الوعي والتثقيف الصحي ومنها؛ أن أكل السكريات وراء الإصابة بالسكر، وكان التصحيح له أن مرض السكر سببه مناعي وخلايا الجسم تهاجم الخلايا التي تنتج السكر، وطالب بعدم تصديق ما يتداول من قول: “إنه ممكن علاج السكر النوع الأول بالأعشاب” إذ ليس هناك أعشاب وأدوية حاليا غير الأنسولين..

وأرشد اختصاصي التغذية العلاجية في مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر رضي العسيف إلى طرق قياس نسبة احتياج المريض للغذاء بناء على معدل الأنسولين ونوع الطعام الذي يتناوله، وإعداد وجبة صحية تحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية للجسم.

ودعا العسيف إلى ضرورة تناول وجبة الإفطار وبصفة يومية، وتناول الأغذية التي تحتوي على الألياف، وتقليل استهلاك الدسم والملح، والحفاظ على وزن مقبول مع التمتع بأسلوب حياة صحي نشط ومتزن.

وشرحت اختصاصية التغذية العلاجية في مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر فاطمة المزين “متى وكيف يتم استخدم الجرعات التصحيحية” والتي تكون ضمن حساب متسلسل وعلى خطوات واضحة، على أساس حساب جرامات الكربوهيدرات في الأكل، وجرعة الأنسولين، مع الأخذ بالاعتبار أن يكون التصحيح قبل التحليل، بناء على خطوات حسابية توفر التوقع والتخمين.

وخرجت استشارية الغدد الصماء وسكر الأطفال في مستشفى القطيف المركزي الدكتورة فضيلة الفرج من حيز دور المستشفيات في رعاية مريض السكر إلى داخل أسوار المدارس، بالحديث عن “السكر والمدرسة” مبينة الإجراءات الوقائية والإسعافية التي تتخذها المدرسة في حال إصابة المريض بنوبة سكر.

واعتبرت رعاية المدرسة لمرضى السكر امتدادًا إلى رعاية أسرهم لهم كونها الحاضن الثاني بعد الأسرة، ويتم قضاء وقت طويل فيها خلال فترة الصباح تنتهي بالعودة إلى المنزل، مؤكدة على أن لا يعطى انطباع بأن الطفل مختلف عن الباقين حتى لا يترتب عليه أثر نفسي سلبي، وأن التعاون يكون بالتنسيق مع المنزل ويكون من جانب إدارة المدرسة والمعلمين، وزملائه في الصف كذلك.

من جانب آخر، أوضح الدكتور آل ناس لـ«القطيف اليوم» أن الفعالية تنظّم للمرة الثانية وذلك بعد مطالبة من المرضى وذويهم، لحاجتهم للتثقيف والتوعية بالمرض، لما وجد من انتشاره على نطاق واسع في المنطقة، وفي أعمار صغيرة.

وشدد على أن الرعاية الذاتية التي تكون من جهة المريض لنفسه هي المحور الرئيس للعملية العلاجية من حيث أخذ الجرعات وتعديلها بناء على حالته الصحية، أو عند إصابته بعارض صحي وظهور مضاعفات عليه، كونه يحتاج ثقافة معمقة منه ومن أسرته والمدرسة، مع ضرورة معرفة المريض كيفية التعامل مع القراءات الخاصة بحساب نسبة جرعة الأنسولين.

واختتمت الفعالية بالتعرف على الأركان المشاركة من جانب الحضور والاستماع إلى الشرح الدقيق عن الخدمات المقدمة لهم وكيف يمكن اتباع الإرشادات الطبية بصورة صحيحة.



error: المحتوي محمي