ليس كل نقد سلبي له مردود مماثل، فالبعض يأخذ هذا النقد إلى موضع تحدٍ، وابن تاروت الخطاط آدم حسن آل خميس مثال يجسد ذلك المعنى، ولم تنسه دراسة الكيمياء تلك الخربشات الصغيرة التي كان يستغل فيها الدقائق الخمس بين الحصص، ليحسن من خطه، ويظهر إبداعاته أمام زملائه، ويستمتع باستحسان معلميه قبل أن يمحو ما كتبه بالطباشير على السبورة، بعد أن كان محل نقد وطلب مستمر من معلميه بأن يحسن من خطه، ولزم حلمه بدراسة فنون وقواعد الخط.
خلال الجلسة الحوارية الأسبوعية لجماعة الخط العربي بالقطيف التابعة لنادي الفنون بلجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالقطيف، يوم الأربعاء 3 صفر 1441، بمقر لجنة التنمية بالقطيف، بحضور 18 شخصًا من أعضاء وعضوات جماعة الخط، كشف “آل خميس” كثيرًا عن من أسرار تجربته الفريدة في عالم الخط.
“آل خميس” الذي ترجل مؤخرًا عن مسيرته الخطية، وودع القصبة والورق، ليستبدلها بكاميرا الغوص، وتكون له صولات وجولات في أعماق البحار والمحيطات تحدث لـ «القطيف اليوم» عن تجربته، بعد عرض لوحته “سورة التين” التي قدمها هدية إلى أحد الحاضرين، في جلسة جماعة الخط.
يظهر المعلم
وكما تقول الحكمة “يظهر المعلم عندما يكون التلميذ مستعدًا”، فقد قرر “آل خميس” بعد تخرجه في الجامعة، تعلم أسس فنون علم الخط، حيث اتجه إلى الخطاط محسن آل دعبل “رجائي” وطلب منه أن يعلمه، إلا أنه أجابه بقوله: “فاقد الشيء لا يعطيه”، وأخذه إلى الخطاط نافع تحيفا لكي يعلمه، إلا أن تحيفا اعتذر منه لكثرة الطلبة الذين يعلمهم، فوجهه إلى الخطاط حسن الزاهر الذي بدوره علمه قواعد خط النسخ لمدة 6 سنوات، منذ عام 1414هـ.
لوحات وإشارات
وأوضح أن تجاربه كانت في كتابة اللوحات الدراسية والإرشادية في المدرسة خلال مسيرة عمله الذي مارسه لمدة 23 سنةً، ختمها بتقاعد مبكر، بالإضافة إلى تجربته منذ بداية تأسيس جماعة الخط العربي بالقطيف عام 2000م، وعضويته الفاعلة فيها، حيث شارك بلوحتين في معرض الجماعة الأول “خطوطيات” عام 1420هـ.
رحلة غوص
وقال “آل خميس” إنه مع هذه التجربة الغنية إلا أنه قرر أن يكون متفرجًا له، بعد أن وجد نفسه لا يستطيع الإنتاج، واقتصر على تدريب ابنته على بعض القواعد الخطية، متجهًا باهتمام إلى عالم الغوص بعد أن أضاء له ابن عمه دربه وتجربته بأدواته في بركة خلال رحلة لإحدى الاستراحات.
ونوه بأنه تبع تجربته التي استحسنها، بدورات في الغوص، حيث حصل على شهادة غواص متطور من منظمة “بادي” العالمية، خاض بعدها رحلات الغوص إلى عمق 50 مترًا في الخليج العربي، والبحر الأحمر، حاملًا معه كاميرا احترافية يصور بها مخلوقات وجمال خلق الله في عالم البحار المجهول عند الكثير من الناس.
مناقشة عامة
وشملت الجلسة مناقشة بعض القواعد والاتجاهات الخطية للخطاطين، على ساحة القطيف والمدارس الخطية العربية في العراق ولبنان وتركيا، وقراءة مواضيع من مجلة “حروف عربية” ومناقشة المقروء من الجميع، بالإضافة إلى تصحيح بعض النصوص الكتابية بين الخطاطين، وتقديم رئيس الجماعة الخطاط علي السواري ورشة خطية مصغرة في خط النسخ.
المحاكاة الخطية
وطرح الخطاط بشير آل جعفر سؤاله عن: “ما فائدة المحاكاة الخطية؟”، وأجابه الخطاط نافع تحيفا بقوله: “محاكاة اللوحة عبارة عن مفردات ضمن “الوحدة البصرية” ويعطي الخطاط رأيه عليها، ويستقل به بعد حصوله على الإجازة الخطية، مع إدراك أن الأسلوب يختلف من خطاط لآخر”.
وأكد “تحيفا” أنه قبل محاكاة العمل لابد من دراسة الخط في إحدى المدارس الخطية، لخطاط يشاد بمعرفته وتمرسه في علم الخط، ومنه يتعرف الخطاط لمدة شهور على رؤيته وكيف نشأت وتوجه تراكيبه ومدى اجتهاده، مع التعرف على ما يجول في ذهنه وطريقة تفكيره، منوهًا بضرورة التفريق بين الكتابة الجادة أو الهزلية، ومعرفة فلسفة النص أو الكتلة الخطية وبما تحمل من جمل وكلمات وحروف، كل جزء على حدة، وبصورة تشريحية.
النقد والتحليل
وذكر أن النقد هو تحليل وقراءة العمل بشكل علمي وليس الحكم عليه، كما أنه يستطيع الحديث عن عمل قام بالدراسة عليه أكثر من غيره، وهذا ليس في الخط فقط بل في جميع الفنون.
التشكيلات الخطية
واعتبر “تحيفا” اللوحة الخطية مرجعًا لأي خطاط وتحمل أسرارًا من المعرفة الخطية، التي يمتلكها الخطاط، وهذه تختلف وفق التجربة لكل خطاط، مستشهدًا بتجربة الخطاط سامي أفندي الذي وصلت تشكيلاته إلى القمة ودرجة الكمال، إلا أن الخطاط محمد نظيف الذي أتى بعده لا يعير التشكيلات والتزينات الكتابية أهمية.
من جانبه، رأى الخطاط علي السواري سبب توجه “سامي” و”نظيف”، أن اللوحة الخطية مبنية على الرسم، أو أن التشكيلات لا ترتقي إلى الحرف، مع الأخذ عند الكتابة أنه يجب الاهتمام بالكتلة أولًا ثم التشكيل، فيما وجد الخطاط حسن الزاهر أن “نظيف” لديه مبالغة في التلقائية والمرونة في رسم الحرف، أما سامي فيتسم بالمبالغة في رسم حدة الحروف.
المدارس والموهبة
وتحدث الخطاطون عن أسباب تسميات المدارس الخطية، ومتى سميت مدارس ومتى أبعدت عن عالم الخط، بعدها طرح تحيفا تساؤلًا عن الفرق بين الموهبة والإتقان، معتبرًا الموهبة مرحلة متقدمة تتخطى الإتقان، وقد تصل إلى مستوى التفرد، كون الموهوب يملك حسًا راقيًا وخلاقًا أخرجه بالدراسة والجهد والتدريب على صقل موهبته.
ورشة خط النسخ
من جانبه، قدم الخطاط السواري ورشة خطية عن خط النسخ، شرح فيها بالتطبيق العملي الكتابي كيف يكون اختلاف رسم الحرف في الكلمة حسب المساحة مع مراعاة الجانب الجمالي للحرف وبصور متعددة، مع عدم تجاوز القاعدة الخطية.