عرّف معجم اللغة العربية المعاصر، الثقافة (لغة) العلوم والمعارف التي يدركها الفرد وما توصلت إليه أمة أو بلد في مختلف الحقول من أدب وفكر وعلم وفن وصناعة بهدف استنارة الدهن، و(اصطلاحًا) الرقي في الأفكار النظرية في القانون والسياسة والتاريخ والأخلاق والسلوك.
من مفهوم هذا التعريف يتضح أن الثقافة تحوي عدة عناصر متكاملة داخلة في حياتنا اليومية الخاصة والعامة ومكملة لها، وبدونها نعيش حياة انفصالية عن المجتمعات وعقوله المتنوعة الناضجة ومقومات الحياة، ونبقى في ضحضاح التخلف وكل يوم نزداد بعداً فيه.
علِمنا أو لم نعلم، اليوم نحن في عصر علوم نهضة متجددة راقية خارج نطاقنا، قوانين تحكم أمة، وأخرى ترسم أوضاع بلد، أو تحدد سلوك وأخلاق مجتمع، منها المتشابه والمختلف، ولا يتأنى لنا الحصول عليها وتعلمها والاستفادة منها من تحت منبر واحد ودرس عالم أو إلقاء خطيب وإن كان متمكنا.
كلنا وإن ارتقى علماً واطلاعاً هناك اختصاصات تخالف مفاهيمه أو لا يفهمها في جوانب، غيره أمكن منه فيها وهي مطلب اجتماعي، لذا وجب أن ننطلق نحو البحث عن متخصصين كل في مجاله حتى تكتمل المنظومة الثقافية عندنا ونخرج بما حوته تلك الأفكار، القديم منها والحاضر وحسابات لما يُستجد، ولا يمكن أن نصل لهذا الهدف المنشود إلا بالانفتاح على مخزون علوم وتجارب الآخرين أمة كانت أو مجتمعاً أو فرداً.
الثقافة لها فوائد ونتائج ملموسة وأدوار منها:-
(أولاً) تنقية العقل من شوائب جهل مُقيمة فيه وتحريره من قيود فُرضت عليه، وتصحيح ما اشتبه، مع مداركه الفكرية، الثقافة غذاء العقل وحياة الروح وتطوير للذات، هي من يحفظ الحضارات.
(ثانياً) مقدرة المثقف على التعامل مع الآخرين مِن تخاطب واحترام إلى فهم ما يتداول من مواد علمية وثقافية، إن كان فرداً أو واجهة اجتماعية، أو ممثلاً لبلد، (ثالثاً) للثقافة مردودات إيجابية على حياة الإنسان اليومية الفردية، كيف ينظم حياته المعيشية؟ قيمة الوقت، إدارة عمل، الالتزام بالوعد وانعكاسها على تعليم أبنائه وأحاسيسه وأخلاقه، الثقافة حضارة أمة في رجل.
(رابعاً) تُتاح للمثقف فرص العمل أكثر من غيره ونسبة نجاحها أكبر ضماناً، خصوصاً من دعّم ثقافته بلغات مع الاطلاع على قوانين الغير، كذلك تمكنه من الوصول إلى الوظيفة الراقية، وله تقديره المميز في مجتمعه وأين حل.
(خامساً) المجتمع المثقف أكثر وعياً فتقل فيه نسبة الجريمة والصراعات الدموية والخلافات، وتزيد الروابط الاجتماعية والالتزام بالقوانين المنظمة والضوابط الأخلاقية وتقل فيه الأمراض، وبها يُطرد الفقر ولو نسبياً.
(سادساً) المثقف منفتح على مَن حوله له إمكانياته إن تحاور مع الغير، خصوصاً في الأمور العقائدية والسياسية، فهو متفهم لما يقول ويعني ويحتج، يصعب خداعه، بعكس غير المطلع، ظنه بصحة حجته بينما هي لصالح خصمه.
(سابعاً) في مجال التجارة والأعمال، المسلح بثقافة التعاطي مع الآخرين يدير تجارته بسهولة وله المقدرة على تنميتها وينجو من كثير من عمليات النصب والاحتيال، بعكس المنغلق وإن كان متعلماً، يمكن سلب ماله خدعة بحلو الكلام.
(ثامناً) تقارب الثقافة بين الزوجين تُصلح كثيراً من الفوارق الفكرية وعلى العكس إذا اتسعت فجوتها فإنها تفاقم الخلافات التي تؤدي للانفصال.
(تاسعاً) علاوة على جميع ما تقدم، القرآن والسنة حثا ووجها بارتقاء العقل لفهم الأحكام الدينية وبالثقافة والتفكر في خلق الله تعالى في العبادات مَن يصلي بجهل أو يدعو بلحن ليس كالعالم أو المتعلم.
آمل من المهتمين بالشأن الاجتماعي أن يستضيفوا الأكفاء اطلاعاً في علوم الثقافة بعيداً عن شخصنة الذات، وانتماء التقليد أو تبعات اجتماعية من زمن سحيق، المعيار في ذلك كله هو العقيدة والفكر الراقي وقيمة المادة المستفادة، مع التنوع في مختلف التخصصات.