في بيتنا زنديق

في بيتنا زنديق، لطالما كان ذلك الأب يردد تلك العبارة، فقد كنت أشعر بمرارة العذاب وحرقة القلب التي ترتسم على تقاسيم وجهه، فهو غالبًا ما كان يصحو ليصلي الفجر ثم يدس وجهه بالتراب ليتفرغ بعد ذلك لمعالجة مشاكل ابنه، وما إن تحل التاسعة مساءً حتى ينهار جسده ويرمي بنفسه في المنام.

كان هذا جدوله شبه اليومي في السنوات الأخيرة إلى أن شاب رأسه وهرمت عظامه، حتى جاءت اللحظة التي يأمل أن يسمع فيها أن أعضاء ابنه قد تناثرت إثر حادث سيارة، أو أنه تفحم نتيجة صعقة كهرباء.

إن أصعب ما يمكن تصوره على الإنسان في هذه الدنيا هو أن يكون لك عدو يسكن بيتك، ويفصل بينك وبينه جدار سمكه أقل من ثلاثين سنتيمترًا، وخطر ذلك العدو يمتد إلى من هم تحت مسؤوليتك من زوجة وأبناء، ومما يزيد الأمر جنونًا أن يكون ذلك العدو هو ابنك.

حيث يروي ذلك الأب المسكين بأنه قبل خمسة وعشرين سنة جلس يدعو ربه مرارًا أن يثبت ذلك الجنين في رحم أمه، فهو مشتاق لأن يشاهد أخًا يلعب مع ابنه الأكبر ويسانده إذا هرم، ويكون عونًا لأمه التي أجهضت ثلاث مرات بعد ولادتها الأولى.

وشاءت الأقدار أن يصل دعاؤه للسماء ويثبت ذلك الجنين، وبدأت تلك العلقة تتحول إلى نطفة، ثم إلى مضغة ثم إلى شيطان.

وكلما تذكر الأب تلك اللحظات التي كان يتضرع فيها الى الله، كان يتمنى أنه لو دعا على ذلك الابن بالموت لحظتها، فلقد تلقى ذلك الابن نفس التربية التي تلقاها أخوه الأكبر والأصغر أيضًا، فالأول يعمل في المجال الصحي والثالث يعمل في التعليم، أما بالنسبة للأخوات فهن ما زلن صغيرات، ولكن تظهر عليهن علامات تنبؤ بمستقبل واعد، ودائمًا ما كان يتأمل الأب في نفسه، فهو لم يكن مجرمًا يومًا من الأيام، كذلك لم يكن لديه أخ أو عم أو خال أو أي أحد من أسرته له تاريخ إجرامي، والحال نفسه بالنسبة لأهل زوجته.

فيعجب حينما يتذكر السرقات المتكررة لابنه بالرغم من أنه ليس بحاجة للمال، أو حينما يتذكر المشاجرات التي لا تكاد تنتهي والتي وصل به الأمر لتعاطي الحشيش والاتجار بها.

وقد وصل الحال إلى أن عمّال النظافة اعتزلوا الشارع الذي يتواجد فيه خوفًا من أن يعتدي عليهم ذلك الابن أو الزنديق كما يطلق عليه، ويزداد به الأمر سوءًا حينما يشاهد الناس المتضررين من أهل المنطقة، وبمجرد الانتهاء من استرجاع المسلسل الدامي ينتهي به الحال بنوبة من الحزن تسبقها لحظة انفجار يجهش فيها بالبكاء.

من المعروف أن البيئة والوراثة والتربية هي العناصر المؤثرة في سلوك الإنسان، وقد كشف التاريخ الأسري أن هناك تفرقة في التعامل بين الأبناء من قبل الأب، حيث سرد الابن مجموعة من المواقف والقصص المأساوية التي واجهها في طفولته، والغريب أن الأب كان يتذكر أكثر المواقف، وكان يتذكر أيضًا أن زوجته وأمه كانتا تحذرانه من تفضيله الدائم للابن الأكبر.

ومن دون أدنى شك لقد خلق الأب خللًا في التوازن النفسي للابن، مما أدى إلى ظهور السلوك المضطرب والعدوانية لديه.

نرغب جميعًا بأن نكون سعداء ونحن نتحمل جزءًا كبيرًا من صناعة السعادة لأنفسنا، وجزء من تلك المهمة هي أن نكون حذرين جدًا في التعامل بين الأبناء ومن أهمها العدل بينهم.

وقد جاء في الحديث الشريف “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.


error: المحتوي محمي