هنيئًا لمن آب إلى وطنه مشاركًا في فعالياته ويساهم في الإنجاز وتبادل الخبرات، وحسنا فعل بعد ربع قرن من الغربة ترجل إلى عشق الوطن وحنين الشرقية وأحساء النخيل بالخصوص كان واضحا للحضور الأحسائي الذي انصب تلك الليلة في قاعة المعرض، وغصت بهم جوانبها.
تألق الفنان التشكيلي عبدالستار الموسى المتخرج من الحركة الفنية الروسية، في أكثر من نصف المعرض حيث طرح مستويات تشكيلية غلب عليها الجانب الثقافي والأدبي بتسمية اللوحات فلكل لوحة عنوان معين وبذلك ألقى عناوينه على المتلقي ابتداءً وعنا ذلك.
وفي هذا الطرح السلوكي للمشاعر الإنسانية وأحاسيس الفنان رؤية فكرية تمت بـ٢١ لوحة زيتية، نختصرها في أربعة مطارح:-
١- لوحات منازل أحسائية: الحنين للوطن والمولد ومعايشة الأصحاب، لم تغِب عن الذاكرة (بفريج الرفاعة) وهو أحد الأحياء التي عاش بها في صباه ما يؤيد رسالة حساويته الوطنية التي شغلت مشاعره، عبَّر عنها في رسالة تشكيلية بصفاء أطياف الألوان بشفافيتها في وقع النور وحرارة الشمس وفيها شجرة بيضاء ناصعة اللون مع إبراز الملمس التقليدي لبيوت الجص بحركة السكين.
٢- مجموعة الأحلام:
متشحة باللباس الخليجي، (فوق هام السحب)، و(بساط الريح)، طعّمها بطيور النورس أو البجع لدلالة العلو في الهواء التي تنتقل من دون حواجز أو جوازات مع الغيوم الكثيفة بيضاء وأخرى انصبغت بالكثافة اللونية الحمراء الداكنة تخرج منها طيور.
وهناك بين المرأة والرجل العربيين احتفالية بقدوم أو ولادة طفل رضيع. اختلف أسلوب الملمس المُسال الممسوح عن باقي الأعمال ذات الملمس المنَقَّط وهذا أسلوب في روسيا، أما الألوان الحارة كالأصفر والبرتقالي والأحمر ودرجاتهم التي غلَبت على معظم الأعمال لإعطائها زخم الانفعال والحيوية في مساراتها، إلا ما ندَر من اللوحات انطبعت ببعض الكتل الباردة كالأخضر والأزرق المعبر عنها بالسُّكون والاسترخاء في سيمفونيات الخيارات الموسيقى وغيرها.
٣- مجموعة موسيقى النساء: المزمار والناي والطبل والعود ومعظمها آلات تقليدية في اللوحات الشاعرية الممتلئة بالألوان الحارة عبّر عن العزف الموسيقي لنساء حيث الملابس الشعبية القديمة المزركشة التي تذكِّرُنا بالعصر العباسي، بإيقاعات لونية مغلَّفة بالرمزية، بِبالِتَّة ألحانها وأصواتها الألوان المتنوعة للرِّتم الفني والتُّون التشكيلي، إلا أن عازفة الطبل لها وقفة إذ أتقن استخدام المدرسة المستقبلية بألوان متحركة توحي باهتزاز الطبل ليسمعك رنَّات الدفوف وإيقاعاتها.
٤- مجموعة شخوص تحكي فكرة:- امرأة تندب وتشكو وفي حضنها طفل، الشخوص الثلاثة: عبر عنها (أين الحقيقة)، الأخوة، حامل الخروف، هي في وضعيات تمتزج الحزن والشكوى والتأمل والحنان وقد اختلف في إخراج بعضها عن سياقه المألوف فنحى بها إلى التجريد والأخرى بأسلوب واقعي محاط بإطار بالخارج بلون أسود مملوء مساحته باللون الأبيض مما أعطاه بعدين؛ الطول والعرض وقطع الرأس في أحدها من أعلى.
مع أن لكل شخصيته واستقلاليته في أعمال الثنائي: حيث الفنانة نتاليا رفيقة العمر لم تتح لها الصالة الصغيرة غير ١٣ عملاً أحدها لوحة رسمتها بنتهما المتواجدة في المعرض:- اللوحة لطفلة مجهولة أعطتنا ظهرها في أرجوحة نزلت من السماء تطل على ساحل البحر في منظر أجادت تحرك الموج مع الألوان الباردة للأزرق واخضرار الموج وبياض غيومه.
لا يسع المجال لتحليل كل لوحة على حدة وأكتفي بتقسيم المجموعة على ثلاثة مطارح:-
١- الطبيعة الصامتة:-
تركزت على الماكولات المختلفة لأنواع الفاكهة مع اشتمالها على الأواني العربية وخاصة أباريق الشاي حتى في بعض المناظر الطبيعية، مما يدلل على دراستها للموروث العربي أو إعجابها به أو التقرب من هذا التراث الدي تحولت إليه، إلا أن إشغال المساحة بكثرة العناصر دليل على الصبر والتحمل وطول النفس، فغيرها يحول واحدة من أعمالها إلى عدة لوحات توفيرًا للجهد وارتياحا للرؤيا البصرية.
وملء الفراغات أرجعتنا إلى أسلوبها في معظم الأعمال، إلا واحدة أعطت فرصة للمتلقي بالتركيز على عناصر الموضوع والتمتع بتحريك الفرشاة بضربات تدل على الخبرة والممارسة.
٢- المناظر العامة: وإن امتازت بالشغف اللوني والوضعيات المتنوعة الجميلة للسكين مع الملمس وكثافة اللون إلا أن انشغال المساحة بأكملها يدل على أصل التخصص التي تمارسه في أعمال الأغلفة مما يعطي الزخم الذي يملأ أرجاع اللوحة بمجموعة غنية من الأخضرات المصفرة والمزرقة ما يوحي بالتمتع اللوني في فضاءات اللوحة ذات المناظر في وسط الطبيعة أو من خلال نافذة تطل على عمارات شاهقة أو قصور روسيا القيصرية للتذكير لما لمسته من بيئتها التي قدمت منها.
٣- الشخوص: المجموعة الأخرى ركزت في العمل على إحدى الشخوص كبورترية أو ضمن المنظر المتألق بالألوان الغنية وخاصة الأخضر ودرجاته والزهور المتنوعة، بإيحاءات عن الشغف بحب الطبيعة وجمالها، في تعبير سكوني عن شيء تريد إيصاله مثل صورة ابنها البكر وهو باللباس الخليجي وبجانبه الصقر، أو تشخيص الملامح للبنات في حضن المناظر الطبيعية الخلابة زاهية الألوان الزيتية مع بعض الطيور.
محمد المصلي
فنان التشكيلي