إن كُنتَ ترقى منبراً لخطابةٍ
فاحذرْ مِن السَّقطاتِ فهو المُنزلقْ
و زِنِ الكلامَ فعنهُ أنت مُسَاءَلٌ
و لرُبَّ لفظٍ كان فِيهِ المُنخَنَقْ
لا ترتجلْ طرحاً بدونِ عنايةٍ
إن لم يكن تحضيرُ ذلك قد سَبقْ
لا تفتعِلْ ما لم يكنْ لِتدُرَّ مِن
تلك العيونِ مدامِعاً و مِن الحُدَقْ
و احرِص على ذِكرِ المَصادرِ إنَّها
تدَعُ الخطيبَ بمأمَنٍ فيما نطَقْ
و لتجتنبْ ما شَذَّ مِن معلومةٍ
كثُرَ اختلافُ النَّاسِ فيها و افترقْ
دَعْ ما يُريبُكَ إن يَكُن شكٌّ بهِ
حتى يكونَ بهِ الوضوحُ قد اتَّفقْ
لا تُكثِرَنَّ من الفُكاهةِ رُبَّما
يرميكَ بعضٌ بالسَّذاجةِ والخَرَقْ
زِد في اطّلاعِكَ ما استطعتَ و كُن على
ثقةٍ بنفسِكَ دُونَ خوفٍ أو قلَقْ
مهما قرأتَ فليس إلاّ تنتقي
ما يَنفعَنَّ و ليسَ ما يَحوي الورَقْ
فببعضِها غَثٌّ و ليسَ يُسيغُهُ
عقلٌ و فيها زائفٌ أو مُختَلَقْ
و تعلَّمِ اللُّغةَ الأصيلةَ كي تُرى
منكَ الفصاحةُ واللسانُ قد انطلَقْ
حَرِّكْ يديكَ مَعَ الكلامِ فإنَّهُ
فنُّ الإشارةِ قد أتانا و انبثَقْ
و لتحفَظِ الآياتِ حِفظاً مُتقَناً
مِن قبلِ إلقاءٍ بلحنٍ يُرتَفقْ
والحفظُ للأبياتِ لا تتركُ فذا
نِعمَ المُعينُ لمجلسٍ بالنُّجحِ حَقْ
و احذرْ مِن التكرارِ تُبدي كثرةً
فتكونَ كرتاً عندَ مَن سمِعُوا احترقْ
خُضْ في عُبابِ تخصُّصٍ أتقنتَهُ
و إذا ولَجتَ بغيرِهِ نِلتَ الغرَقْ
لا تطرَحنَّ لِما يُفرِّقُ وِحدةً
فالضّعفُ يأتي مَن تحزّبَ و افترقْ
لا تشترِطْ مالاً كبيراً فاحشاً
أدباً و لا تبغِ المطامعَ في شبَقْ
سَيَجي ءُ رفضُكَ رُبَّما و تكونُ في
بؤسٍ و لا ترنو لبابِكَ مَن طرَقْ
و اسلُكْ طريقَ قناعةٍ و ترَفُّقٍ
و تواضُعٍ لتنالَ قدراً مِن عبَقْ
وانظرْ لنفسِك لا تَخُضْ في مدحِها
و بِ ( لا تُزَكُّوا ) كُن كَمَن فيها ائتلقْ
و تقَبَّلِ النَّقدَ المُفيدَ و لا تكُن
مُتعَصِّباً للرأيِ يأخذُكَ المَلَقْ
لا تحسبَنَّ الجالسينَ بمأتمٍ
صُمَّاً و ما للفكرِ فيهم من رَمَقْ
و اضبطْ مَواعيدَ المَجالسِ لا تكُن
مُتأخِّراً دَوماً فيعلوكَ النَّزَقْ
و إذا رَوَيتَ لِقصَّةٍ ، مَعَ أُختِها
لا تُدخِلَنَّ فليسَ ذلكَ في نسَقْ
و إذا لِمشكلةٍ فتحتَ فلا تكُن
في تركِ حَلٍّ مثل جُرحٍ و انفتَقْ
إنَّ الخطابةَ مِهنةٌ قد زانَها
حُسنُ الفِعالِ إذا الخطيبُ لها اعتَنقْ
مَن كانَ يأخُذُ بالنَّصائحِ يرتقي
أوجَ المَعالي والمَنابرَ في ألَقْ
أمَّا الذي عنها يروغُ فشأنُهُ
شأنُ ابنِ عاقولٍ لدى دَربِ الزَّلقْ