في عام ٢٠٥٠م

الآنَ وعلى مشارفِ عام ٢٠٢٠م، عندما أمشي خطواتٍ مع طفلي الصغير “غير الجاهل” يحدثني فيها عن كثيرٍ من المعارفِ التي لا زلت أجهلها حتى الساعة من الصحةِ والعلوم العامة والطيران والفلك وباطن الأرض مما يعيدني إلى اكتسابِ صفةِ الجهلِ في الكِبر. سوف يفرحني كثيراً إن بقيتُ لعام ٢٠٥٠م لأرى كيف يتطور العلمُ ويختفي الجهل وسوف يبقى السؤالُ قائماً: هل باختفاءِ الجهل يختفي الجهلاء؟

من المتوقع في ذلكَ العام أن تعتمدَ حياتنا على الآلةِ التي سوف تسير أمورنا وتسهل مهماتنا وتختفي كثيرٌ من العللِ والأمراضِ الخطيرة ويطول عمرُ الإنسانِ بسبب اختفاء تلكَ الأمراض وقلةِّ الحوادث، لأن السيارة الأذكى من الإنسان هي من سوف تأخذه نحو وجهته. ومن الأرجح أن الآلةَ سوف تقدم لنا الكثيرَ من الخدماتِ التي نقضي الوقتَ والجهد الكثير في قضائها اليوم ولن نحتاج أن نكون رحالةً نمتطي ظهورَ الجيادِ وأقتابَ الإبل ونركب السفن من أجل أن نعرف شيئاً قليلاً من العلوم التي سوف تكون حاضرةً بين أيدينا كل الوقت.

تدل حركةُ الابتكارات أن المستقبل القريب والبعيد سوف يحملان تطوراتٍ كبيرة في تقدم التقنيات شبه العاقلة، لكن ماذا عن قلبِ الإنسان وعقله؟ كيف سوف يشغل الفائضَ من وقته؟ هل سوف تجعل التقنيات قلبَ الإنسانِ أرقَّ وعقله أكثر تفكراً فيما ينفعه كإنسان؟ أم سوف يستمر في تناسلِ الآلات التي تقوم بكثيرٍ من أعماله وهو مشغولٌ بالعنايةِ بها عن العنايةِ بأولادهْ. أكاد أجزم أني إن بقيتُ لعام ٢٠٥٠م لن أعاني من الحرمانِ من متعةِ قيادة السيارة أو الجهل في معرفةِ استخدام الآلة لكن كما في كلِّ زمان سوف تكون معضلة تجعل من حياةِ الإنسان راحةً غيرَ مكتملة وإلا لن نبقى قريبين من الأرض.

أصعب المعضلات التي سوف تحضر في المستقبل هو الخواءُ العاطفي والابتعاد عن الإنسان والجهل الحقيقي، معضلةٌ بدأت تباشيرها بالظهورِ في انزواء الإنسان عن ذلك الإنسان الذي يشبهه، نعرف الكثيرَ عن الآلة والمخلوقاتِ الأخرى ونجهل ما يخفي القريب منا، من بني جنسنا، في صدره ورأسه من فكر ولا نصدقه عندما يظهر لنا ما خفي عنا. مهما تقدم العلم فسوف يكون في كلِّ زمان غنيٌّ وفقير، شقيٌّ وسعيد، محبٌّ ومبغض، عارفٌ وجاهل، لأن الإنسانَ هو الآلة الوحيدة التي لا يستطيع التحكم في قلبها وعقلها كليا إلا خالقها.

لمن يصل إلى ذلك العام: هلَّا أرسلتَ إلينا رسالةً لتخبرنا إن صدقت توقعاتنا؟ هل أنتم أسعد وهل أنتم أذكى وهل أنتم أكثر صحة مما كنا؟ كل الرجاء من الله أن تكونوا كذلك!


error: المحتوي محمي