تشرفت بلقاء الأستاذ محمد الغرير لأول مرة في مصنع الإسمنت بمنطقة القوز بدبي في عام ٢٠٠٨، وكنت متقدماً لمنصب الرئيس التنفيذي لشركة دراغون أويل النفطية. نظر إلى سيرتي الذاتية ورمقني بنظرة ذكية وابتسامة أخوية وقال بلهجة ملؤها التواضع: “قرأت سيرتك الجميلة وعرفت عنك الكثير، أما إذا كنت تريد أن تعرف عن محمد الغرير؛ فهو بنجرجي يشتغل في منطقة القوز” (بنجرجي يعني من يصلح عجلات السيارات).
لم أتمالك نفسي حياء فنظرت إلى الأرض وأنا أهمهم محدثاً نفسي: “كم خلق الله على هذه الأرض عظماء ولكنهم متواضعون”. ضحكت وقلت له: أستغفر الله.
كانت هذه البداية في أخوة وصداقة امتدت عشر سنوات. أكتب عنها الآن بعد أكثر من سنتين من انتهاء عملي معه كرئيس مجلس إدارة الشركة حتى لا يظن البعض أنها مجاملات نفعية.
دعني أعرف هذا البنجرجي قليلًا فهو ابن أسرة وهبها الله الكثير من نعمه وخص صاحبنا هذا بالعظمة والبساطة في آن واحد. فهو ليس بنجرجيا بل خبير في أغلب الصناعات كالإسمنت والبتروكيماويات والألومنيوم وحتى تربية الدواجن وأخيرا النفط. إنه موسوعة متحركة تزينها الثقاقة والقراءة في كل حدب وصوب. أما قلبه فصاف كالزلال يملؤه حب الآخرين والخوف من الله والأمانة الرائعة. غمرني بلطفه فأخلصت له في العمل ورزقنا الله التوفيق والبركة فكان نجاح الشركة بفضل نيته الطيبة وتوجيهات مجلس الإدارة وقوة وتفاني الفريق الذي عمل معنا في إدارات الشركة التنفيذية وحتى أصغر موظف وعامل في منصات البترول.
ذكريات جميلة مع محمد الغرير الإنسان وليس الرئيس ونحن نودع ضيوفنا إلى باب السيارة. وأخرى أثناء زيارتنا لمناطق العمل في بحر قزوين بتركمانستان وكان الجو باردا وحيات البحر والزواحف تملأ الماء البارد قرب الشاطئ ورغم ذلك أصر على السباحة وتم ما أراد بسلام. وفي الرحلة القادمة شاركناه في السباحة مع بعض الزملاء.
ذكريات أخرى فيها التحدي للصعاب والاحتفال بالإنجازات. فيها سهر الليالي والعمل المتواصل وفيها روح المحبة والأخوة.
كان آخر حديث لي معه قبل عدة أيام؛ حيث قال مازحا إنه بنجرجي فقلت له: افتح جامعة سمّها جامعة القوز للبنجرجية وسأكون أول من يلتحق بها!
هنيئًا لنا بأمثالك يا أبا سعيد ممن تعالى على الفوارق والعصبيات وتوج قلبه بالتواضع وحب الآخرين. فما أجمل أن نقهر التشرذم والعصبية لتجتمع قلوبنا وتشترك أيدينا في سعادة البشرية.