واقعة الطف آفاق ودروس وليست مشروعاً للبكاء فقط

يقول الشاعر: إن في “الطفِّ” ألفُ حكايةٍ – لم تُحْكَ بعدُ – عن الشهامة – حين الحسين (ع) نوى الصلاة وشدَّ أطراف العمامة – كان العراقُ هُوَ الأذان وكانت الدُّنيا إقامةْ – وتَوَضَّأَتْهُ الكائنات هناك في أعلى غمامة والكون يسأل حائرًا: “أَهِيَ الصلاةُ أمِ القيامةْ؟”.

الإمام الحسين (ع) ليس مشروعاً للبكاء عليه فقط بل هو قدوة وأسوة لعشاقه ليتعلموا الأخلاق والقيم والمبادئ التي لا يمكن أن تغيرها المغريات الدنيوية، وإن إيماننا بقضية الإمام الحسين (ع) يجب أن ينعكس على منهجية التفكير في تعاملنا مع بعضنا البعض، ولا يختزل في جانب البكاء العاطفي عليه، فهو ليس مظلوماً فقط، وليس ابن بنت نبي هذه الأمة فقط، بل لأنه أعظم بطل في تاريخ البشرية وسيرته مدرسة نتتلمذ عليها.

لم يقم الإمام الحسين (ع) بثورته الجبارة لكي يبكيه الناس ويزورونه فقط، إنما قام بثورته العظيمة انطلاقاً من هدف واضح وصريح أعلنه أمام العامة أثناء خروجه من مكة قائلاً: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق”.

الإمام الحسين (ع) خرج لتغيير مبادئ الإنسانية وغرس القيم السامية والنبيلة في الإنسان، فمن واجبنا ونحن نحيي ذكرى ثورته المباركة الاستفادة من هذه القيم والمبادئ في حياتنا، وأن تنعكس على إنسانيتنا وتعاملنا مع بَعضنا البعض، وأن نغذي عقولنا وأفكارنا منها.

رسالة الإمام الحسين (ع) وتضحيته كانت من أجل أسمى هدف وهو حفظ الدين من الزوال والانحراف، ولولا تضحية الإمام الحسين (ع) بتلك الصورة العظيمة في تلك المرحلة العصيبة لم يبق للإسلام أثر يذكر، لأن المخطط الآخر كان متقناً وكاد أن يقترب من الوصول إلى أهدافه، لذلك فإن إحياء هذه الذكرى العظيمة فرصة لها أبعاد روحانية مؤثرة لمحاسبة أنفسنا وأفكارنا وتحريك عقولنا نحو الأهداف السامية التي من أجلها ضحى الإمام الحسين (ع).

الإمام الحسين (ع) لم يقل في كلامه فمن قبلني لأني حفيد رسول الله (ص) أو لأني ابن سيدة نساء العالمين أو غير ذلك، ولكنه قال: “فمن قبلني بقبول الحق” لأن الحق هو الأساس في ثورته الجبارة، فمن يبكي الحسين ويندبه وهو يعمل بغير الحق فتلك دموع جافة وندبة خاوية، فلينظر الإنسان إلى أفعاله فإن كان يقبل الرشاوى ويأخذ العمولات من حساب المشاريع في عمله ويعرقل معاملات الناس ولا يخلص في عمله ويكذب في تعامله مع الناس فليعلم أن حبه للحسين (ع) حب كاذب.

وفي الختام أقول: إلهي في ذكرى ثورة الإمام الحسين (ع) لن أخادع نفسي وأكرر الأدعية والتمنيات التي نطلبها من الله تعالى أن يعطينا إياها بحق شهيد كربلاء، وأنني سأكون صادقاً مع نفسي وأجثو على ركبتي وأتوجه إلى رب العباد، رب العدالة والحق والصدق، ورب الرفض للكذب والنفاق والغيبة والنميمة وقبول الرشوة، وسأذرف الدموع الصادقة على الحسين (ع) في كل يوم.


error: المحتوي محمي