يستيقظون في الصباح الباكر، يتناولون وجبة الفطور ثم ينطلقون إلى مدارسهم ليمضوا أكثر من ثلث النهار هناك.
أولادنا وبناتنا في حاجة إلى الاهتمام والمحافظة على صحتهم وتصويب سلوكهم الغذائي، إن السلوك الغذائي السليم يعني صحة جيدة، ويعني نمواً بدنياً وعقلياً سليماً، ويعني جيلاً قليل الأمراض بإذن الله تعالى.
من المسؤول عن توجيه الأبناء نحو السلوك الغذائي الصحيح؟ وما هو دور المنزل؟ وما هو دور المدرسة؟ وما هو الغذاء الصحي الذي يحتاج إليه أبناؤنا؟
حول هذه الأسئلة والإجابة عنها يدور حديثنا في ثلاثة محاور مهمة: محور المنزل ومسؤولية الآباء والأمهات، ومحور المدرسة ومسؤوليتها، ثم محور الجوانب العلمية أو الحقائق التي تحقق لأولادنا أكبر قدر ممكن من صحة غذائية مشرقة.
كثرت في الأسواق أصناف من الأغذية لم نكن نعرفها، وما كنا نحلم بها، أغرت كثيراً أولادنا، وهذا بلا شك أثر عليهم فزادهم وزناً وغيّرهم طبعاً.
هموم تغذية الأبناء مرتبطة بالتربية والبيئة والسلوك، وهي مسؤولية البيت والمدرسة.
سبق الحديث عن السلوك الغذائي بشكل عام تحت عنوان “تغذية أطفالنا سلوك”، ونشر عبر قناة «القطيف اليوم» في 12 أبريل 2019، أشرنا في المقال إلى مسؤولية الآباء والأمهات في غرس الثقافة الصحية الغذائية لأبنائهم عن طريق استخدام أساليب شيقة وجذابة، ومشجعة، من خلال ما يشاهدون من هم أكبر منهم يمارسون العادات الحسنة أمامهم في شيء من التربية بالقدوة – القدوة من الوالدين.
الحديث عن التغذية المدرسية، كدور مكمل للبيت وبدون تعاونها قد يعجز البيت عن تحقيق الهدف.
لذلك مدارسنا مطالبة بتعليم أولادنا السلوك الغذائي السليم، وتقديم الوجبة الصحية المتزنة، الوجبة التي يقدمها المقصف المدرسي.
التغذية السليمة تعد إحدى الدعائم الأساسية للصحة في المجتمع، فالغذاء الصحي المتوازن يساهم بشكل كبير في توفير العناصر الغذائية اللازمة لصحة الأطفال ونموهم عقلياً وجسمياً، وتوجد علاقة وثيقة بين التغذية والتحصيل الدراسي للتلاميذ، حيث يؤثر نقص التغذية على التركيز والانتباه للدروس ويكون الاستيعاب ضعيفاً مما ينعكس على تحصيلهم العلمي.
الطلاب يقضون ثلث يومهم في المدرسة ويجب أن يحصلوا على ثلث احتياجاتهم الغذائية اليومية في هذه الفترة لكي يستطيعوا تفادي ما هو موجود من مشكلات صحية منتشرة في منطقتنا ويعاني منها الكثير من أبنائنا.
المدرسة يجب أن تلعب دوراً كبيراً في توجيه التلاميذ نحو التغذية السليمة “العقل السليم في الجسم السليم” سواء أكان من خلال المناهج المدرسية أم الدروس أم المقصف المدرسي.
ويبرز دور المقصف المدرسي وأهميته في مجال تغذية الطلاب نظراً لأن بداية الطفل في المدرسة هي نقلة في التأثير على سلوكياته والتي تؤثر سلباً أو إيجاباً على حالته الصحية، خصوصاً أن هذه الفترة فترة نمو سريعة، فهذه الفترة تحدد بدانة الطفل أو نحافته، حبه لبعض الأغذية المفيدة أو الخاوية.
يعد المقصف رسالة مهمة لإكساب الطفل العادات السليمة، إذا ما أحسن استخدام المقصف كوسيلة تعليمية وتثقيفية، ولن يتم ذلك إلا إذا نظرنا إلى المقصف المدرسي بطريقة مختلفة، حيث إنه المكان الوحيد الذي يفتح أبوابه لمدة قصيرة تصل إلى نصف ساعة.
ماذا تقدم المقاصف المدرسية لأبنائنا الطلاب؟
ليس من الموضوعية أن نتحفظ على الأصناف التي يتم السماح بها في المقصف المدرسي من حيث جودتها ونوعيتها وطريقة إعدادها، وقد تصنف غذائياً بأنها من الأغذية غير المتزنة – فقيرة بالقيمة الغذائية.
فالمعجنات والمخبوزات والفطائر تصنع من حبوب قمح غير كاملة “دقيق أبيض” بياضه ناجم عن إضافة مواد كيميائية إليه وأخطرها برومات البوتاسيوم المسرطنة التي تضاف كمحسن للعجين، ومحشوة العجينة بأجبان معالجة بالزيوت النباتية، ومحتواها العالي من الصوديوم، ومحلاة بشراب الذرة عالي الفركتوز HFCC، وفقيرة جداً بالفيتامينات التي يتحطم معظمها بالمعاملات الحرارية، جميع تلك الإضافات تسيء إلى قيمتها الغذائية.
في حين أن المشروبات عدا الماء، عبارة عن عصائر محفوظة تحتوي على إضافات اصطناعية كالمحليات والألوان والنكهات والمواد الحافظة.
هذه الأصناف عالية الكربوهيدرات والدهون والمحليات الاصطناعية، تساهم في رفع نسبة السكر في الدم، وينبغي لمن يعاني من ارتفاع جلكوز الدم التوقف فوراً عن تناولها، ليس فقط لا تصلح بل قد تكون خطرة، خصوصاً أن بعض الأطفال مصابون بداء السكري – للأسف – من النوع الثاني الذي يصاب به الكبار فقط.
كما أن منطقتنا تعاني من أمراض وراثية كمرض الأنيميا المنجلية، ونقص الإنزيم G6PD، وأمراض سوء التغذية كالنحافة والسمنة والسكري.
وفي المقابل نرى الأطعمة الغير المتزنة تتواجد ايضاً في الدكاكين المجاورة للمدرسة ومع الباعة الجوّالين، وإقبال الطلاب والطالبات على شرائها كالحلويات والوجبات الخفيفة المنوعة، والمشروبات الغازية والعصائر الاصطناعية.
فلابد أن يقوم الأهل بدورهم في توعية أبنائهم بشأن أهمية ما يتناولون من أغذية في المدرسة وخارج سور المدرسة.
من هنا يتوجب على الأسر الاهتمام بوجبة الإفطار المنزلي المفيدة صحياً.
الكثير من الأسر ترى نفسها مقصرة في متابعة أبنائها لعدم تعويدهم أو تشجيعهم على تناول وجبة الإفطار قبل ذهابهم إلى المدرسة، فهم قد لا يدركون فوائد تناول تلك الوجبات.
تعتبر وجبة الإفطار أهم وجبة في اليوم، فهي بمنزلة الوقود اليومي حيث تولد النشاط والحيوية عند الطلاب، وتناول الإفطار عادة جيدة، وقد تكون بعد قدرة الله بداية لصحة جيدة ومستمرة طول حياة الإنسان.
يقضي الطالب في المدرسة ما لا يقل عن ست ساعات يومياً بعد استيقاظه من نومه، وهي من أفضل الأوقات الإنتاجية وأوقات الحركة.
قد لا يفطر الأبناء في المنزل بسبب عدم توفره، أو عند قيامهم متأخرين عن موعد المدرسة، أو تراهم يأكلون بسرعة لعدم وجود الوقت الكافي، أو قد يتناولون وجبات خفيفة لتسد احتياجاتهم التي قد تتجزأ بين المنزل والمدرسة.
ولتلافي هذه المشكلة يمكن للأم أن تهتم بإعداد الإفطار لأولادها قبل وقت كافٍ من الذهاب إلى المدرسة، كما يمكن أيضاً اشتراك الأبناء في إعداد وجبة الإفطار إذا كانت الأم تعمل خارج المنزل، ويجب أن يكون طعام الإفطار سهل التحضير ومتنوعاً.
نعم هناك إقبال كثير من الطلاب على جلب وجبة خفيفة من المنزل، وتناولها في المدرسة، وعندئذ يصبح الاعتماد جزئياً على المقصف المدرسي هدفًا تلجأ إليه بعض الأسر، التي نتوقع أن يكون برنامجها الغذائي اليومي آمنًا لهذه الفئة من المجتمع، خصوصاً لمن يعانون أمراض فقر الدم المنجلي، والـ G6PD، وتزداد وضوحاً بين الطلاب والطالبات في المدارس نتيجة عدم الاهتمام بوجبة الإفطار المنزلي.
إن الأطفال الذين اعتادوا على تناول وجبة الإفطار العائلية اليومية، يتمتعون بصحة وعادات غذائية أفضل من أولئك الذين تخلوا عنها.
تقدم المقاصف المدرسية وجبة خفيفة أو رئيسية في فترة الفسحة المحددة، يتم عرض أصناف مختلفة من المأكولات في غرفة المقصف المدرسي يقوم بتوفيرها متعهد أو بأسلوب التشغيل الذاتي، ومهما تكن طريقة إدارة تشغيل المقصف المدرسي، سواء كانت تلك المعروضات في المقصف تخدم برنامج التربية الغذائية أو توصيات ورغبات المدرسة، المهم في ذلك تموين المقصف بوجبات تحقق الجانب الصحي والقيمة الغذائية التي تتطابق مع اللائحة الفنية الخليجية GSO 1971/2015 (الاشتراطات الصحية الواجب توافرها في المقاصف المدرسية وتداول الأغذية بها).
هناك بعض الأصناف الغذائية لا تتوافق مع مرضى فقر الدم المنجلي والـG6PD، وداء السكر، التي تكثر في منطقتنا، ومن أجل تلافي هذه المشكلة، تقوم الأسر بتزويد المدرسة بصورة من السجل الطبي لكل طالب لتفادي الأزمات التي قد يتعرض لها الطالب أثناء تواجده في المدرسة، والحرص على عدم بيع الأغذية التي لا تتناسب مع ظروفهم الصحية.
دلت نتائج دراسات وبحوث تغذوية لاستقصاء عادات الإفطار لدى طلاب المدارس البدناء من ذوي الوزن الزائد، أن هؤلاء الطلاب لا يتناولون إفطارهم في أحيان كثيرة، فضلاً عن أنهم يأكلون وجبات إفطار فقيرة تغذوياً، لذا فمن المرغوب فيه تسهيل حصول الطلاب زائدي الوزن على وجبات إفطار كافية.
هناك العديد من الأفكار التي تستوجب طرحها على المعنيين بالتغذية المدرسية من أجل تلافي السلبيات وعلاجها، ومن ثم الدفع للتطوير والتحسين، فمقاصف مدارسنا أو بعضها في حالة يرثى لها.
هنا نقف ونتقصى ونتابع الأطروحات التي تتمثل في النوع والنظم.
وتتمثل أهمية النوع في الحرص على تقديم الأطعمة ذات الجودة والقيمة الغذائية العالية، بينما النظم مرتبطة بالتصميم النموذجي والتجهيزات واحتياجات المقصف والخدمات والصيانة.
يعاني الكثير من المدارس من مشكلات تتعلق بالنوع والنظم، فالأصناف الغذائية غير متزنة غذائيا وصحياً، وبيئة المقصف تفتقر للضوابط الصحية، بينما نسمع المسؤولون دوماً يؤكدون ضرورة تطبيق الاشتراطات الصحية للأغذية المقدمة للأطفال في المقاصف الواردة بلائحة المقاصف المدرسية، وهو المطلب الذي يجب الالتزام به، للارتقاء ببيئة المقصف المدرسي من خلال توفير الوجبات الصحية التي تدعم النمو الجسدي والفكري لأبنائنا الطلاب.
لاحظنا في اللائحة الجزائية التي حددتها وزارة التعليم لعقود تشغيل المقاصف المدرسية الغرامات المالية المترتبة على المؤسسات التي ترتكب مخالفات في تشغيل المقاصف لا تتناسب مع حجم المخالفة، خصوصاً أنها تمس فئة عمرية حساسة وهم الأطفال لا يمكن التساهل في اشتراطات التخزين وانتهاء فترة الصلاحية والتسممات الغذائية نتيجة تناول وجبات فاسدة لما قد ينتج عنه من أخطار لا يحمد عقباها.
وعلى أساس هذين الاتجاهين يمكننا هنا تسجيل نقاط هامة تجاه البيئة والصحة والسلامة:
• توظيف مشرفي واختصاصيي تغذية يتولون إدارة المقاصف المدرسية.
• تشغيل المقاصف المدرسية من قبل متعهدين جديرين، وتوضع عقود ملزمة تصاغ من قبل أساتذة الغذاء.
• المقصف يخضع لإشراف ورقابة صارمة وأن أي تجاوز أو مخالفة من قبل المتعهد ستضعه تحت طائلة العقاب والتشهير.
• مواصفات التعبئة والتغليف تحتاج إلى تقييم مستمر ومتابعة لكون المغلف البلاستيكي قد يتعرض إلى إساءة الاستعمال إذا كان المنتج الغذائي ساخناً ويغلف مباشرة.
وهذا هو التكامل بين الثلاثة محاور، محور المنزل ومحور المدرسة ومحور الجوانب العلمية، السبيل إلى تحقيق تربية غذائية صحيحة.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.