اصنع ذاتك فللحصاد أوان

يجمع مكان العمل الكثير من الأشخاص القادمين من أماكن مختلفة وثقافات وبيئات مختلفة؛ فهذا سينتج بالضرورة بعض الخلافات التي تحدث بسبب هذه الفوارق الشخصية، وقد يكون التباين على صعيد مهارات العمل هو مسبب آخر إلى مثل هذه الخلافات التي سرعان ما تنتقل من كونها خلافات عمل إلى خلافات شخصية تؤثر على وضعك في مكان العمل أو تضع نقطة سوداء في سجلك الوظيفي، وإذا لاحظت أن أحد زملائك في العمل يكرهك دونما سبب واضح ويسيء معاملتك، فإن هذا ولا شك سيشعرك بعدم الراحة، وقد يمنعك من أداء عملك باحتراف، خاصة في المهام المشتركة مع ذلك الزميل.

عليك بسؤال نفسك: هل هو حاقد عليك أو يعتقد أنك منافس له؟!
إن المنافسة هي نوع من التحدي والإنسان ميال بطبعه إلى التحدي والمنافسة…
وإذا كانت المنافسة شريفة فتكون سبباً مهماً من أسباب النجاح والإبداع لدى الإنسان؛ لأنها توقظ لديه روح التحدي وتفجر طاقاته وإمكانياته السجينة داخله وتؤثر في عطائه، وهذا يحتاج لبيئة محفزة ومحيط وظيفي راقٍ مبدع يحب التفوق والتميز وحب العمل بروح الفريق، لكن إن كان المحيط غير ذلك وأحدث التنافس خللاً في بيئة العمل وتم تعيين الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب؟!

في تقرير الفاينانشيال تايمز يوضح أحد خبراء الموارد البشرية أن هناك أشخاصاً يحبون رحلة الصعود إلى القمة بالتعاون مع الآخرين في إطار روح الفريق، في حين أن هناك آخرين يحبون فقط احتلال المنصب والتربع على القمة وحدهم، غير مدركين أن النجاح لا يقتصر تحقيقه على جهد أحد الأشخاص دون غيرهم، بل رحلة يساهم فيها أكثر من شخص وينجح فيها أكثر من شخص·

لنكن صادقين أين هو التنافس الشريف في الحياة؟!
المنافسة في المنزل.. غالباً ما تكون منافسة شريفة وبريئة لا غرض منها سوى التنافس والتفوق على حب الوالدين وكسب رضائهم ومودتهم وهو أثمن ما يقاس في هذه الحياة….

كما يؤسفني أن أتسبب لكم بصدمة وأخبركم أنه لا يوجد تنافس شريف في مجال العمل لأن دوافع التنافس غالباً “غير شريفة” وما كان دافعه غير شريف فهو أيضاً غير شريف!
إن الجيل قد تعرض لخدعة تربوية عميقة حين قيل لهم بأن ثمة تنافسًا شريفًا..
ولو أن كل إنسان زاحم ونافس أخاه في مضمار من مضمارات الحياة التي توصل لمكسب معنوي أو مادي وسأل نفسه بتجرد عن حقيقة نواياه من خوض المنافسة ثم أجاب بصدق لكانت إجابته هي: أنا أريد هذا الفوز بقوة وأنا أحق به، ولا أتمنى أن يناله أحد غيري.. ولسوف أصاب بغم وحزن إن لم أفز به!
فأين الشرف في هذا الشعور الأناني الخالي من الإيمان؟!
لقد أخبرنا نبي الهدى عن حقيقة المؤمن قائلاً (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم):
“لا يؤمن  أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه”.

والحل: كيف نتأقلم في بيئة مشحونة بالأحقاد والتنافس غير الشريف؟!
بما أن الحياة فيها فرص قليلة والطالبون لها كثر فلابد من وجود مسلك مناسب يسلكه الإنسان لكي يفوز بالفرصة التي هو أهل لها دون أن ينافس غيره نفسيا وكيديا، ودون أن يشعر بالحسد تجاه الآخر، ودون أن يتمنى الخسارة للآخر؛ هذا المسلك هو مسلك المسابقة..
فالتسابق على الخير والنجاح أمر ممدوح، وهو لا ينمي في نفس الإنسان المشاعر السلبية تجاه أخيه الإنسان، وذلك حين يتقبل الخاسر النتيجة عندما يفوز من هو أكثر أهلية لها بالفرصة ”بروح رياضية” كما يقال: ”وبروح إيمانية”، ويقول تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [المائدة:48] ويقول أيضا {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].

علينا بصناعة الذات وتربيتها على القيم والمبادئ حتى نستطيع مواجهة مستجدات العصر والعقبات والصعاب بالثقة بالنفس والإرادة ومواصلة التطوير الذاتي فلقد حان أوان الحصاد.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية والسداد، وصلاح القول والعمل، والظاهر والباطن، والله تعالى ولي التوفيق.


error: المحتوي محمي