العلاقات الأخوية لا تقتصر في رابطتها على الجانب العاطفي وحده، وإنما هي نبتة تحتاج في نموها إلى رعاية واهتمام ومتابعة وإلا أصابها الأفول واليبوسة، إذ يشعر الفرد بالانتماء إلى دائرة يشعر في محيطها بالمقبولية والاحترام والثقة والأمان، ويتبادل معهم مشاعر الحب الصادقة لذاته، لا لأجل مصالح منفعية كما يجري في كثير من العلاقات، بل لشعوره بأن من حوله في محيطه الأسري يغدقون عليه مشاعر الحب والتقدير لشخصيته.
ولا يخفى ما للعلاقات الأخوية من دور مهم في مواجهة التحديات وصعوبات الحياة وتقديم المشورة والنصيحة لمعالجة المشاكل، وهذه المرحلة من التلاحم والانسجام تبتنى على أرضية من التفاهم والتوافق الفكري والتآلف والمودة، والانفتاح على الآخر في طريقة تفكيره وهمومه وتطلعاته المستقبلية، وفي زمن نحياه يتميز بتعقد الأمور وكثرة الأزمات وتنوعها في مختلف الأصعدة، بلا شك يتحتم أكثر من ذي قبل الركون إلى حبل المودة الأخوية الوثيق لتجاوز تلك العواصف العاتية.
وليس معنى هذه الحميمية والتوافق بين الأخوة أنها لا تمر بمنعطفات قد تضطرب ويصيبها اهتزاز بسبب سوء فهم أو خلاف أو تعامل في ساعة ضيق وانفعال، بل وقد تترنح بسبب توالي الضربات و الخلافات المتصاعدة إن لم تلق لها قلوبًا تتسع لأخطاء الأحبة، وعقولًا تقدر ما يمر به الغير من ظروف تؤثر على مزاجيته وطريقة تفكيره، وقد تتحجر القلوب وتتصحر من أي عاطفة وأبجديات التفاهم إن تراكمت المواقف الانفعالية فتتشكل الحواجز العالية التي يصعب تجاوزها أو القفز عليها في كثير من الأحيان، وهذا التأرجح بين مسار الاستقرار أو الانفصام في علاقة الأخوة يفرض عليهم مراعاة تلك الأسس التي تقوم عليها العلاقة الوازنة والفاعلة، فوجودهم تحت سقف واحد لا يعني وجود رابطة قوية بين الأخوة، فكم من بيت يجمع أجسادًا تختفي روح التلاقي والتآخي والاهتمام بالآخر بين أفراد الأسرة، فلكل واحد عالمه الذي لا يعلم الآخرون عنه شيئًا كعالم مغلق يعيش فيه.
ويتوجب على الوالدين في سبيل تعزيز وتقوية العلاقة بين أبنائهم أن ينزعوا روح الغيرة بينهم والشعور بسلبية الأخ تجاه أخيه، إذ قد يكونان عاملًا جالبًا للنفرة بينهم من خلال التفرقة في التعامل بينهم وتمييز أحدهم بمحبة واهتمام أكثر.
ومراعاة الفروق الفردية بين الأبناء في تفوق أحدهم الدراسي أو جاذبية حديثه أو روحه الاجتماعية يزيح الإحساس بقلة الاهتمام به، والتمييز بينهم الذي قد يلقي بظلاله عليهم يكمن في تفضيل أحد الأبناء، إذ المساواة في الاحتواء والإشباع العاطفي والمصروف والتشجيع والتأنيب على الخطأ أو التقصير يجذر التلاحم والإخاء بينهم.
كما أن أسلوب المقارنة بينهم مظنة تحفيز المقصر منهم وحثه على الاهتمام أسلوب خاطئ، فبخلاف أنه يزرع البغضاء بينهم فإنه يأتي بنتائج مخيبة، وذلك أن المقصر قد يتجه نحو العناد والمشاكسة كردة فعل على هذه الممارسة الخاطئة في حقه.
وحينما نصف مشهدية التعامل التفاعلي الإيجابي بين الأخوة فنحن ننقش الانسجام منذ بداياته، من خلال تخطيط الوالدين لجلوس الأخوة والتحدث ما بينهم، فذاك يعني بث ما يعاني منه الفرد منهم من مشاكل وهموم فيتلقى الدعم النفسي والطرح الفكري المتزن كحلول من إخوته، وذاك الأمان الأسري يستشعره من خلال اهتمام أخوته به والسؤال عن سير دراسته، وتلك العبارات الجميلة التي يصدح بها الجميع تيمنًا بما يرونه من تعامل بين أبويهم يفيض عليهم بالطمأنينة.
كما أن تبادل الهدايا يزرع المحبة والحنان والثقة والاحترام بينهم، ووقوع الخلاف والمشاكل بينهم أمر وارد ولا يشكل أمرًا مخيفًا، إذ بشيء من الحوار الهادئ والاعتذار والتسامح يعيد صفو المحبة بينهم، فحتى وإن انطلقت من حنجرة أحدهم كلمة قاسية وجارحة ومثيرة للانفعال والزعل، فإن روح التسامح تنزع من القلوب أغلال الأحقاد والعدوانية، خصوصًا مع وجود متابعة وحث من الوالدين.