في القطيف.. المرهون خطيبة ولدت من رحم المجالس التقليدية.. وغردت خارج السرب

ولدت في مدينة العلم، التي غادرتها فنسجت حكايا الحنين، تأثرت بوالدها، تعلمت القراءة والكتابة في فترة وجيزة، أعطت فأجزلت، ففي العطاء يكمن جمال الحياة، حازت شرف خدمة الإمام الحسين “ع”، إنها مريم، كريمة العلامة الشيخ علي بن العلامة الشيخ منصور بن علي بن محمد بن حسين بن مرهون الخطي القطيفي.

«القطيف اليوم» اقتربت من عالمها، وحطت رحالها على ساحلها، لتسترجع معها الذكريات.

استهلال
نبدأ جولتنا مع خادمة الإمام الحسين “ع”، أم ميثم آل خليف – بنت الشيخ – بالسؤال حول بطاقتها الشخصية، حيث قالت: “شاءت الإرادة الإلهية، أن ترى عيناي النور في مدينة العلم، النجف الأشرف، أبان دراسة والدي -رحمه الله -، في رحلته الدراسية الثانية سنة 1376هـ”.

التعليم والدراسة
وأوضحت أنها عند بلوغها مبلغ التعليم، كان الخيار للنظام التقليدي؛ الكتاتيب، على يد المعلمة أم السادة “رحمها الله”، وتعلمت في فترة وجيزة القراءة والكتابة، حيث كانت تشعر في ذلك الوقت بأنها تحتاج الكثير، لتشبع شغفها بالعلم، نظير ما تختزنه من مشاهد وأحداث مرت بها، لكونها مولعة بقراءة كل ما تقع عليه عيناها، وكتابة الأحداث والذكريات، وصياغة الأفكار التي تلج في ذاتها، وبالنسبة للدراسة الأكاديمية فقد حصلت على الشهادة الابتدائية فقط من خلال الدراسة المسائية.

بناء الشخصية
وأكدت أن التردد على تلك الآثار الطاهرة والمراقد الشريفة، ساعد في بناء شخصيتها، مما كان له الأثر الأكبر في الانفتاح على عوالم مختلفة، تتولد عنها رؤية كونية، يسوقها جمع من التساؤلات، التي كان منها زيارة المسجد الأقصى في سن مبكرة برفقة والدها والعائلة.

وفي عام 1391هـ تزوجت، وشاءت الأقدار أن تعود إلى النجف الأشرف مسقط رأسها بصحبة زوجها، الذي كان طالب علم في الحوزة الدينية، وهناك تفتحت لها آفاق من المعرفة، جاءت المكتبة والكتب، وأجواء طلب العلم لزوجها جعلتها تقرأ في كل المجالات، لتعود إلى موطنها القطيف.

البيئة المحيطة
تروي “المرهون” قصتها مع الحسين “ع”، والخطابة، قائلة: “من صغري ونعومة أظفاري، مارست الخطابة، كأني وجدت نفسي مدعوة لسلوك تعمقت جذوره في منطقة اللاشعور، حتى أضحى ظاهرة في مجتمع أسرتنا الصغيرة، وما لها من امتداد في أسرتنا الصغيرة، خادمة الحسين “ع”، القارئة والمعلمة للقرآن الكريم، والدتي السيدة شرف كريمة السيد إبراهيم المشقاب، والدي شريكها وقلب منزلنا النابض بالعطاء نراهُ ساعة موجهًا، وأخرى عالمًا ومرشدًا وخطيبًا، وفي كل حالاته يترجم حبه للعترة الطاهرة بفعله قبل قوله”.

وأضافت: “إذا اتسعت الدائرة قليلًا أجد مدرسة جدي، العلامة الشيخ منصور، وأعمامي في الخطابة تتخذ زاوية من أعماق اللاشعور، كأن الأمر صيره المحيط حولنا إلى ظاهرة، حتى أنني وشقيقتي أقمنا مأتمًا في منزلنا في القطيف، في العشرة الحسينية، وأسميناها “عشرة البنات”، واستمرت هذه العشرة ردحًا من الزمن، حتى بعد زواجي استمرت شقيقتي في هذه العشرة كل عام، كما أن المناخات الولائية في منطقتنا محفزة، حيث كثرت المجالس الحسينية بشكل خاص في كل عام ، وكنت أشارك في مجالس عدة، منها: مآتم أم أحمد اخليف، الذي تقرأه المعلمة أم غالب زهرة العباس “رحمها الله”، وهي أول من تنبأت لي بأنني سأكون خطيبة”.

وتتابع “المرهون”: “بعد عودتي من سفري، وسكني في منطقة الوسادة، كنت أقرأ في مأتم أم محمد جواد العوى في المزيرع، التي كانت تعاملني معاملة خاصة، كأني ابنة لها، مما شجعني على العطاء أكثر في مجال الخطابة، كما شاركت في مأتم المرحومة الحاجة أم فائق المبارك، بنت الحجة المقدس الشيخ علي أو عبد الكريم الخنيزي، في حي البستان، وكانت القارئة القديرة زاهي القطري، هي خطيبة المجلس”.

استقلال شخصيتها الخطابية
ونوهت بأنها عند انتقالها إلى المنطقة الخامسة عام 1402هـ، استقلت بالقراءة في مجالس خاصة بها، وكان أول مجلس قرأت فيه محرم والوفيات طوال العام؛ مأتم بيت طلاق من أهالي باب الشمال، ثم مأتم أم وجيه المصطفى الحاجة نعيمة أحمد الخنيزي في منزلهم الكائن في القلعة، بعدها انطلقت في قراءة الفواتح والمجالس الحسينية بشكل موسع، حيث كانت تقرأ في العشرة الأولى من شهر محرم 6 مجالس.

العلوم الدينية
وأشارت إلى أن دراستها لم تكن حوزوية بشكل منهجي، لكنها مكتسبة من خلال الدراسة في كتاب “شرايع الإسلام” عند زوجها، وهو كتاب فقهي للعلامة الحلي اشتهر تدريسه في الحوزة العلمية في مرحلة المقدمات، مستعينة بالسؤال عن أي حكم فقهي من أهل المعرفة، كوالدها “رحمه الله” وزوجها، والتثقيف الذاتي بقراءة الكثير من الكتب الفكرية والقصص التربوية والتاريخية، وكتب التفسير والسيرة، وكل ما ينفع في الخطابة.

وحول قراءتها الحسينية، أوضحت أنها تحب أن تكتب محاضراتها الحسينية بنفسها من خلال توليفة خاصة بها، حيث تقرأ للآخرين، وتنتقي كلمات المحاضرة بنفسها، وتصيغ الموضوع بالشكل الذي تراه مناسبًا.

التجديد والتغيير
دخلت “المرهون” هذا المجال، فوجدت أنه لا بد من التجديد والتغيير فيه، من خلال الإصرار والإرادة التغيير، تقول: “كنت وحدي في تجربتي، وبتوفيق من الله حالفني المزيد من النجاحات، ركزت على الموضوع، وبعث الكلمة الحية للمستمعة، ولم أركز على الصوت، مما وضع أمامي عقبات حاولت تذليلها، حيث سأغرد خارج السرب من خلال انتقاء المواضيع الاجتماعية والتربوية والأخلاقية، والسيرة لأهل البيت “ع”، لأن الكلمة الجريئة في المجالس النسائية، كانت غير مألوفة”.

وبينت أن “القراءة التقليدية كانت هي السائدة آنذاك، مما جعلني أرى الوحشة والفرار من بعض المستمعات، اللاتي يعبرن لي عن خوفهن مما أطرح من فكرة ناقدة هنا، ومن حس مسؤولية هناك، كنت أواجههن بمسؤوليتي عن ما أطرح، مع مرور الوقت، صار الأمر مقبولاً، وهذا ما أسعدني، حيث اجتهدت، واليوم خادمات الحسين “ع” كثر – وفقهن الله – وهن مبدعات طموحات ومتطلعات للتجديد”.

المأتم قديمًا وحديثًا
قالت “المرهون”: “في القديم كانوا يعتمدون في المآتم على السيرة القديمة بغثها وسمينها، فلا تجديد، ولا خروج عن السيرة الحسينية المحصورة في بعض كتب الوفيات – رحم الله خادمات الحسين “ع”، الذين جاهدوا في هذا الطريق – أما الآن فتعددت المعارف وتوسعت، وصار الوصول إلى المعرفة أسهل، مما جعل خادمات الحسين “ع” يسعين إلى كل ما هو جديد، ليكون إكمال المسيرة، الهاجس لهن جيلًا بعد جيل”.

وأضافت: “من الطريقة التقليدية الممزوجة بالعاطفة الصادقة حاملة العَبرة والدمعة على مصاب الحسين “ع”، جئنا لنكمل المسيرة، لنجدد في صياغة العِبرة، ونسبر أغوار إنسانية الإنسان الكامل، المتمثل في رسول الله صلى الله عليه وآله وبضعته الزهراء والمعصومين الاثنى عشر من الأئمة الطاهرين”.

ضعف الإقبال
وحول ضعف الإقبال على المجالس الحسينية النسائية، أوضحت “المرهون”: “هذه المشكلة الكبيرة كنا وما زلنا نعاني منها، بالخصوص في قلب المدينة، وانفتاح البلد على بعضه، عوامل كثيرة ساهمت في بعد الشابات عن المجالس الحسينية، والانشغال بالدراسة الأكاديمية أضعف هذا الجانب كثيرًا”.

وقالت: “نحن نفتقر إلى الكوادر الشابة، إلى المعزيات، والقارئات، فالشابات اليوم في أيام عاشوراء لا يسعين إلا إلى الاستماع فقط، يذهبن إلى مجالس الرجال فترة عشرة محرم وانتهى الأمر، ولكن نحن بحاجة إلى من يباشر في المأتم ، إلى من يشارك في العزاء والقراءة، وبالنسبة إلى قرى القطيف، فهم أحسن حالًا من قلب المدينة، لأنهم لديهم المشاركات والمعزيات والقارئات”.

مؤلفات بنت الشيخ
من مؤلفات “المرهون”، بحث عن الفتاة المسلمة ودورها الطبيعي في الحياة، وقد ترك مخطوطًا في منزل سكناها في النجف، لتفقده بعد حين، بالإضافة إلى موسوعة المرهونيات، المكونة من عدة أجزاء، الجزء الأول عبارة عن محاضراتها، التي نسجت فيها توليفة من الأفكار التي رتبتها من خلال مطالعاتها، والجزء الثاني شعر باللهجة الشعبية، ورواية السيدة آمنة، ورواية السيدة فضة، أمة السيدة الزهراء “ع”، ورواية القاسم ابن الإمام الكاظم “ع”، وقصائد متفرقة في مناسبات الأئمة “ع”، وبعض المساجلات الشعرية، كذلك لديها مخطوطات، وكتاب يعنى بالترجمة لنخبة كبيرة من خادمات الحسين “ع” ومعلمات القرآن الكريم، لا يزال تحت الإعداد، إضافة إلى سعيها إلى إكمال ما لديها من محاضرات مخطوطة، لم تضم إلى سابقاتها.

تنويه: الصورة الرئيسية رمزية


error: المحتوي محمي