أجراس العودة

بعد أيامٍ قليلة يعود الطلاب إلى مدارسهم. تلك العودة تعيدني سنوات في الذاكرة وتعيد أياماً فيها كثيرٌ من الشوق عندما كان أطفالي يحملون حقائبهم على ظهورهم كل يوم. يأتي المساءُ وحين أعود من العمل أرى إنجازاتهم الصغيرة تكبر ويكبرونَ معها. كان المدرسون يبذلون معهم جهوداً ليست قليلة ولكن كنت أنا وزوجتي نكمل ما لم تستطيع المدرسة إكماله في الوقتِ والمنهج. كنت في العادة أشتري لهم كتباً من المكتبة يستعينون بها على تحسين أدائهم في المدرسة، وأزورهم في مجلس الآباء وأتعرف على مدرسيهم وأعرف منهم ما عليَّ فعله لتحسين أداء أبنائي في المواد الدراسية. الآن بعد أن كبروا رأيت قيمةَ الجهد المضاف الذي بذلناه معهم كيف عاد عليهم بالنجاح وعلينا بالبهجة ومعرفة أن كلَّ استثمارٍ في العلم والمعرفة هو استثمارٌ في الإنسان الذي هو أس الحياة. اليوم حين أرى الطلاب يعودون بعد الظهر من المدرسة تعود بي الذكرياتُ إلى حين كنت طالبا وبعدها كان أبنائي والآن أحفادي.

إن كنت أباً أو أمَّا اليوم ولديك أبناء في المدارس، طوبى لك فيجب أن تكون أسعد السنوات في عمرك ولكن عليك أن تكمل ما لا يستطيع المدرس والمنهج إكماله، فلا يكفي اليوم أن يكون الطالب ناجحاً ومتقدماً في كتب المدرسة ولكن سوف يحتاج أن يعرف ما هو أكثر وأعمَّ حتى يستطيع المنافسة في الدراسة وفيما بعدها. ولن يكفي أن يدرس الطالب في مدرسةٍ خاصة وترتاح أنت، بل من تجربتي أنك بجهدك ومتابعتك حين يكون ابنك في مدرسةٍ عامة سوف تكون النتائج أقرب إلى ما تطمح ويطمح له أبناؤك وتوفر على نفسك الكثيرَ من المال الذي ربما تحتاجه في المستقبل. في هذه الأيام أصبح متابعة أداء الصغار في المدارس أكثر صعوبةً على الأهل، حيث الأب والأم يعملان ولا وقت بعد يوم مضنٍ ولا قوة للقيام بحهدٍ آخر، ولكن هذا الشيء والجهد هو ما نحيا ونعيش من أجله، ولابد من القيام به منذ السنوات المدرسية الأولى.

وإن كنت طالباً اليوم وتظن أن الدرس يثقلك، فأعطني حقيبتك وأعد لي تلك السنين، وأنا أعفيك من التعب. أيام المدرسة هي الأيام التي أنتَ تحفر فيها الذكريات الجميلة، أسماء أصدقائك وإنجازاتك وإخفاقكَ أحياناً! سوف تكتب الطرائف والذكريات الجميلة التي عندما تكون في عمري تقصها على أحفادك وتفخر بها. وهي الأيام التي تجعل منك الطبيب أو المهندس أو المعلم وفي كل منهم قبل ذلك تجعل الإنسان.

كانت بداية المدارس من أجلِ تعلم القراءة والكتابة، ثم من أجل العلم، أما الآن فهي من أجلِ الوظيفة أيضا فربما أنت أثقف وأعلم من مشى على الأرضِ ولكن ليس لديك ما يثبت لمن سوف يحتاجك في سوق العمل أنك جلست على مقاعد الدراسة فلن تحصل على الفرصة التي تظن أنك تستحقها إن لم تكن لديك تلك القطعة من الورق المقوى والمزخرف “الشهادة”.

ستظل بعد هذه السنين وإلى الأبد تذكر أيامَ الدراسة وعندما تكبر سوف تتمنى أن تعود لها مرةً أخرى، مرحى لك، فاستمتع بها ما استطعت!


error: المحتوي محمي