الاختصاصي آل عجيان: بعد موسم الحج.. 2.5% من مؤدِي المناسك يراجعون العيادة النفسية

من الطبيعي أن يعود المرء بعد أداء فريضة الحج فرحًا مستبشرًا بقبول توبته وغفران ذنوبه، ولكن قد لا يتخيل البعض أن هناك مَنْ يعود محملًا بوساوس وهواجس قد تصل إلى حد المرض النفسي، فما هي الأسباب وراء هذه الحالات وكيفية اكتشافها وتشخيصها ومن ثم علاجها.

الاختصاصي النفسي فيصل آل عجيان، رئيس مجموعة “أصدقاء تعزيز الصحة النفسية”، تحدث لـ «القطيف اليوم» عن الأزمات النفسية في الحج وبعده، مقدمًا لمحة عن الاضطرابات النفسية التي قد تبرز أثناء الحج.

وعلى الرغم من تأكيده أن من قد يصابون بتلك الأزمات هم نسبة قليلة، وأنه في الغالب معظم الحجيج يتمنون الحج مرات عديدة، وأن يكرروا التجربة وخدمة الحجاج ليصلوا إلى معانٍ إيجابية، ويبحثوا عن غايات هذه العبادة ويمارسونها في كل مرة تجعلهم كل مرة أقرب إلى الله، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض المراجعين للعيادة النفسية بعد ذلك المشعر العظيم.

الطبيعي
أوضح “آل عجيان” في البداية، أن الذين يصابون بالأزمات النفسية في الحج هم قلة لا تتجاوز 2.5٪، بمعنى أنها لا تعد ظاهرة عامة لدى الحجيج.

وأشار إلى أنه بشكل عام، الحجاج الذين ذهبوا للحج لسنوات واستمتعوا به، عادةً يحبون أن يكرروا التجربة، وأيضًا الكوادر وأصحاب الحملات قد يلاحظون أن هناك رغبة من الذين حجوا أن يحجوا أكثر من عام، والذين خدموا الحجيج يحبون تكرار ذلك لسنوات متتابعة، وهذا لأنهم يجدون معاني جليلة في الحج، وقد يجدون في كل مرة معنى جديدًا للحج ومفاصله وطقوسه ومعانيه المتعددة.

أزمات حج
واستدرك قائلًا: “لكن هناك من قد يصاب بأزمات نفسية من وراء الحج، وكالعادة نحن الاختصاصيين النفسيين نستقبل حالات بعد الحج، ومن ضمن الحالات أو الأمراض الشائعة التي قد تزداد في الحج؛ الوسواس القهري، وواحد من مظاهره كأفعال هو أن يسأل المريض نفسه؛ هل أديت الفريضة أداءً صحيحًا أم لا، وهل كان على أحسن ما يرام أم لا”.

وسواس
وأوضح “آل عجيان” أن البعض يكون لديه أرضية سابقة للوسواس القهري، كأن يكون مصابًا به من قبل، أو تكون شخصيته أصلًا شخصية وسواسية، فبالتالي عندما يوضع في هذا الموقف، ومع الحشد العاطفي والنفسي والروحي والجماهيري، وأنه يؤدي الحج مرة واحدة في العمر، فيريدها أن تكون كاملة ومتكاملة.

وأكد أن كل ذلك يسرع ظهور الوسواس القهري لديه، حتى لو لم يكن ظاهرًا لديه من قبل، لا في الصلاة ولا في الطهارة ولا غيرها، وقد يظهر عليه بعد رجوعه من الحج.

أمراض
لكن الأمر لا يتوقف على أعراض بسيطة، فربما يأخذ بعضها منحى مرض نفسي عضال، كما يوضح “آل عجيان”، ويقول: “من ضمن الأمراض النفسية أيضًا التي قد تظهر في موسم من مواسم الحج؛ الشيزوفرينيا، وهي على شقين، شق فيه شعور بالاضطهاد، وهو جانب البارانويا، وأن هناك أحدًا يراقبه، وكان هناك شخص -حالة- قادم من الحج، وكان يعتقد أن جزءًا كبيرًا من الحجاج يراقبونه ويعرفون نواياه وكان يعتقد أنهم سيقتلونه”.

وأضاف: “والشق الثاني هو الشعور بالعظمة، وهو الإحساس بأن هناك رسائل تأتيه ويستشفها مثلًا من هبة ريح أو أي صوت، وكانت هناك حالة لشخص وهو يقول أحد أسراره لأحد أصدقائه لعله يشاركه المشاعر، وأثناء الحديث سمع صوت “بريك” سيارة، فقال إنها رسالة من الإمام تحذره من البوح بشيء لهذا الشخص لأنه ليس الشخص المناسب”.

فصام
وتابع: “قد يكون الإنسان ظاهريًا طبيعيًا، لكنه شخصية فصامية، لديه استعداد لأن يظهر عليه المرض، ويجب على المحيطين به عندما يسألهم هل هذه إشارة من الله عز وجل بقبولنا وأن الإمام راضٍ عنا، وأننا منتخبون، أن لا يقوموا بمجاراته لأن هذا قد يجعله يزيد، وقد ينفع معه تصحيح أفكاره ومواجهتها، ويجعله يتراجع عن الدخول في دهاليز مرض الشيزوفرينيا”.

صدمات
وأشار إلى أنه قد يصاب البعض بصدمات نفسية، مستشهدًا في ذلك بمقال كتبه منذ سنوات عن صدمة نفسية في الحج، بعد أن تكلم معه أحد الحجاج عن صدمة حدثت له أثناء الحج، مشيرًا إلى أنه بعد هذا المقال جاءته مداخلات من أناس أدوا الحج في ذلك العام، وأصابتهم صدمات، حول سرقة الحجيج، أو تحرش أخلاقي أحيانًا من أشخاص يفترض فيهم أن يكونوا جيدين، أو مواقف أخرى من هذا النوع.

الهلع
وبيَّن “آل عجيان” أيضًا أنه يجب أن يوجد ما يقلل التوتر مثل الهاتف المحمول، أو الأموال، وهذه الأشياء يمكن أن تقلل التوتر والخوف والهلع الذي قد يصاب به، ومشكلة من يصابون بالهلع هي تعميم الموقف، فأحيانًا تقع في الحج وفيات بسبب نقص الأكسجين والزحام وأشياء أخرى، وحين يرى المصاب حشدًا في أي مكان يصاب بالهلع، وبعضهم كلما يمر نفس التاريخ، وقد يرتبط الأمر بأشخاص أو أصوات، وقد يرتبط الأمر ارتباطًا شرطيًا بأشياء محايدة، لا تسبب للأشخاص العاديين أي هلع، وهناك شخصيات لم تكن تأتيهم أي نوبات هلع، وهناك عدد من الحالات جاءهم الهلع أثناء الحج، وأحيانًا الحشود تساهم في ظهور الهلع، وهذا يمكن تقليله بعدم تركه بمفرده، ووجود أحد معه من المعارف أو غيرهم، وأن يمارسوا الطقوس مع بعضهم حتى يكون أكثر اطمئنانًا.

طمأنينة
وأوضح أن من يعاني من هذه الأعراض قد يحتاج إلى المرشدين للتخفيف والتطمين، وواحد من الأساليب التي انتشرت الآن بين حملات الحج، وهي جيدة ومهمة وتخفف المعاناة، هي التهيئة القبلية، وهي تشبه الأسبوع التمهيدي الذي يقدم لطلاب المدارس قبل فتحها، مع أن بعضهم قد يكون مهيأ أصلًا ولا يحتاجه، ولكنه يطبق على الجميع، وجزء كبير من الذين قد يصابون بمشكلة، مع التهيئة تقل هذه المشكلة كثيرًا، أيضًا التهيئة للحج، تقلل كثيرًا من القلق، فعندما يتخيل أنه سيحج بهذه الطريقة، وكيف يتصرف في الزحام، وكيف لا يفقد روحانيته، وكيف يتعامل مع الأخطاء التي قد تحدث، وهناك ثقافات مختلفة، وتوجد مذاهب مختلفة، وحتى في المذهب الواحد هناك اختلافات، وكل واحد له طريقة، وقد تبرز الخلافات بشكل كبير، ويحتاج الحاج أن يطوع نفسه على تقبل اختلاف الثقافات وتنوعها، وقد يجد أناسًا يمارسون طقوسًا يستغربها وتكون غير مألوفة لديه.

تهيئة
وشدد “آل عجيان” موصيًا بأن التهيئة القبلية يمكن أن تقلل التوتر والضغط النفسي، اللذان بدورهما يعجلان بظهور كثير من المشكلات النفسية، ومن ضمن هذه المشكلات كما قلنا الوسواس القهري، والذي يرتكز على فكرة أنه يجب أن تكون الأمور مثالية وعلى خير ما يرام، وهنا ننصح المرشدين أو من حوله بعدم التشدد معه وتطمينه بأنه يسير على الطريق الصحيح، وأن الطقوس والعبادات التي أداها صحيحة، وأن يبقوا معه لأنه في الغالب قد يفكر في إعادة الحج أو إعادة أحد الطقوس.


error: المحتوي محمي