من القطيف إلى الدمام.. الصادق وأبو شومي يصحبان «القطيف اليوم» في رحلة بـ «دراجة هوائية»

«37 كيلومترًا، ليست مجرد رقم لمسافة فقط، بل هي قصة تستوقف المارة أحيانًا، وتثير الانتباه أحيانًا أخرى، كلما قطعها حسين عبد المنعم الصادق، ومؤيد حسين أبو شومي، سويًا، بدراجتيهما الهوائيتين، ذهابًا من القطيف إلى مقر عملهما في الدمام، تلك المسافة أيضًا تجاوزت كونها قصة شبه يومية إلى “عهد بالتريض والحفاظ على سلامة البيئة”، حسب وصف الصديقين لها.

قد يصادفك صباحًا شابان استعاضا عن السيارة أو أية وسيلة انتقال أخرى بدراجة هوائية، يطلق كل منهما ساقيه للريح، ليقطعا تلك المسافة، فتتساءل: “ما السر وراء ذلك؟!”، «القطيف اليوم» تأخذك في تلك الرحلة مع صاحبيها على “سيكليهمها” لتتعرف على البداية.. الهدف.. المعوقات.. وغيرها من أمور تدور حول رحلتيهما.

بدأ حسين الصادق يفك سر ساعات الفجر التي ينطلق فيها الصديقان، فكل منهما يبلغ من العمر 37 عامًا، وكل منهما له أسرته وأطفاله، وربما هذا التقارب جعل للأفكار بريقها وقبولها.

يعمل “الصادق” ممرضًا بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، ويقول: “منذ فترة ونحن في العادة نخرج للجولات بمسافة 100 كلم وبعضها 50 كلم فتساءلنا؛ لماذا لا نخرج للدوام بالدراجة؟؟ ومن ثم كان القرار بأن نذهب إلى الدوام بالدراجة الهوائية، فهي رياضة ترفيهية إن صح التعبير، بل ومن أفضل الرياضات”، ويستدرك قائلًا: “حقيقة أن الدراجة النارية أسرع من الدراجة الهوائية، لكن الدراجة الهوائية أفضل رياضة ومردودها كبير على اللياقة والصحة والبيئة بشكل عام”.

ذهابًا فقط
ويوضح “الصادق” أنه اعتاد لفترة أن يتجول على جزيرة تاروت بدراجته لمسافة تقارب 40 كم، كما أنه مشترك في فريق دراجات القطيف برعاية سايكولوجي مع الكابتن حسين العلي، ولهم جدول ثابت يخرجون فيه كمجموعة، ثم جاءت فكرة الذهاب إلى العمل بالدراجة، فالمسافة إلى التخصصي حيث مقر العمل، لا تعتبر بعيدة، مقارنة بما يقطعانه في أوقات التريض العادية، ويقول: “نخرج في الصباح الباكر من الساعة 30:4 صباحًا، نقطع الشوارع الرئيسية دون اختصار، نتسلى بالسوالف مع بعضنا، ويشجع كل منا الآخر، ولكن لا نستطيع العودة بالدراجة، بسبب ارتفاع درجات الحرارة والزحام الشديد في الشوارع المجاورة والمؤدية لطريق المنزل، ولكن ربما مع تحسن الأحوال الجوية نقرر العودة بالدراجة أيضًا”.

تحدَ نفسك
ويلتقط زميله مؤيد أبو شومي طرف الحديث فيقول عن دوافعه: «في البداية كانت فكرة شراء الدراجة الهوائية تجول في خاطري قبل ست سنوات، ولكن كان يشوبها بعض التضارب الفكري، والخوف من النقد نوعًا ما، ولكن أجبرت نفسي عليها، وقلت إنني سأبدأ باستخدامها لقضاء بعض الحاجيات القريبة والتي لا تستدعي ركوب السيارة، كالذهاب إلى السوبرماركت وغيره، ولكن سرعان ما اكتشفت شيئًا هامًا يغيب عن الكثيرين، وهو أنني لست بحاجة للبحث عن موقف ولا لاستهلاك الوقود، وأنني أرى العالم بشكل مختلف، ويمكنني الوصول إلى أماكن لا تصلها السيارة، وزحمة الطرق لا تعني لي شيئًا، وبعدها بمدة وجدت نفسي ألجأ للدراجة كمتنفس فكري وفرصة للترويح عن النفس والسكينة، أما الخسارة الوحيدة فكانت سعرات حرارية وشحومًا!”.

ويضيف “أبو شومي”: “وفي يوم من الأيام خطرت لي فكرة الذهاب لعملي بأحد مستشفيات الدمام بواسطة الدراجة فأخذت التجهيزات اللازمة ووصلت بعون الله، وعدت نهاية الدوام وكنت قد قطعت ما يقارب الستين كيلومترًا، فقمت بتكرار التجربة مرارًا وكل مرة تكون التجربة أروع من قبل، حاولت بعدها استمالة أحد الزملاء – الصادق – الذي يعمل ممرضًا بنفس المستشفى ووافق أن يرافقني ونحن بصدد جعلها عادة أسبوعية بإذن الله، أي أن آخر يوم في الأسبوع سيكون الوصول بالدراجة”.

أنا وأبنائي
ولا يكتفي مؤيد بممارسته الشخصية لرياضة هي شغفه، ولكن نقل هذا الشغف لأبنائه، ويقول: “جميع أبنائي يركبون الدراجات، ولي معهم صولات وجولات، بل وأحيانًا يكون أبناء إخوتي معي، بدلًا من قضاء جل وقتهم على الألعاب الإلكترونية، ولا أمانع من مشاركة زوجتي مستقبلًا فهي رياضة للجميع”.

الدراجات أنواع
وبعين الخبير يوضح “أبو شومي” الفروق بين أنواع الدراجات، فيقول: “من المهم قبل شراء الدراجة معرفة الاحتياج الفعلي لها واستشارة المختصين بذلك، فتوجد الدراجات الجبيلة المخصصة للطرق الوعرة، وتمتاز هذه النوعية بالقوة والمتانة وثقل الوزن، ولكن يعيبها عدم القدرة على قطع مسافات طويلة بها، ويوجد أيضًا دراجة الطرق أو ما يسمى “الرود بايك”، وهي خفيفة الوزن ويستطيع مستخدمها قطع مسافات طويلة، وكما توجد دراجة تسمى الهجين، وهي تجمع مواصفات الدراجة الجبلية من ناحية المتانة، ودراجة الطريق من ناحية الخفة، وهناك بعض النوعيات الأخرى، التي لا يسعنا ذكرها، ولكن الجميع منها ممتع وذو طابع فريد بالنسبة لي”.

أغلى من سيارة
وهو ما أخذنا إلى المقارنات التي تحدث بين الشباب وفقًا لنوع السيارة وموديلها، فعلق “أبو شومي” قائلًا: “يمكن أن يتفاجأ الشخص غير الملم بالدراجات، أن البعض منها قد يصل إلى سعر مقارب من قيمة السيارة، وبالنسبة لي أكثر ما يُحسد المرء عليه هو الصحة والعافية، فمن فقدها لن ينفعه ركوب السيارة الفارهة بشيء”.

مسارات خاصة
وعند الحديث عن المعوقات أكد “الصادق”: “لا نستسلم لأي عوائق حتى مع وجود الحر مثلًا، لأن الهدف أسمى من التراجع، والمشكلة الوحيدة التي نعانيها هي الحفريات، والسفلتة السيئة لبعض الشوارع، وتحقيقًا لرؤية 2030 سوف نستمر رغم الظروف المناخية أو ظروف الشوارع وسفلتتها «لن نتوقف».

ويتمنى “أبو شومي” وجود مسارات خاصة للدراجات، كما هو الحال في العديد من الدول، ويضيف: “نحن كدراجين نأمل بالطبع أن يكون لنا مسار خاص بالدراجة الهوائية أسوة بالعديد من الدول، وأيضًا نتمنى وجود مسار في جميع الواجهات البحرية، كما نتمنى إنشاء مضمار خاص بنا بحيث تتواجد فيه محلات الصيانة والاستراحات بشكل احترافي، وأقترح استثمار ملاعب الأندية المحلية ومسارات الصالات الرياضية وتحديد أوقات خاصة برياضة الدراجة الهوائية”.

شفرة مرورية
أما الصعوبات المرورية فهي أكثر ما يقلقهما، ويقولان: “مع الأسف أكثر ما يخيفنا هو أجهزة الجوال، حيث إن من يقود سيارته وهو يعبث بهاتفه يشكل التهديد الأكبر علينا، لذا نأمل من الجهات المختصة التشديد على توعية السائقين بهذا الخصوص”.

وأكدا أن القيادة المركبية تلزمهما بإعطاء الإشارات حقها، والالتزام بالمسارات، وتنبيه بعضهما البعض من بعض الحفر، كما يوجد بينهما بعض الرموز المتفق عليها عالميًا.

كما أن هناك احتياطات سلامة، خصوصًا خوذة الرأس، فعدم وجودها يمكن أن يؤدي إلى إصابات بليغة في الرأس لا قدر الله، وكذلك وجود الإنارة الخلفية والأمامية، لتنبيه الآخرين إلى وجودك، ومن المهم أيضًا وجود قارورة الماء وأدوات إصلاح الإطارات دائمًا.

موقف لا ينسى
ورغم أن حسين الصادق لم يتذكر أي موقف محرج مع الدراجة، وحمد الله كثيرًا على أنه لم يتعرض لمثل هذه المواقف، إلا أن زميله مؤيد أبو شومي يذكر يومًا خرج فيه بجولة في مدينة حائل شمال المملكة “فقال لي أحدهم إننا سنذهب إلى طريق جبلي جميل، وهناك كان الطريق يرتفع بميلان حاد، لم أستطع إكمال الطريق، فنزلت من الدراجة على قدمي حتى وصلت للقمة وكان النزول مريحًا، وانتهت الجولة في ذلك اليوم بتعب شديد، ولكن عدت في اليوم التالي بلا توقف”.

تعليقات
ومن أبرز التعليقات التي سمعها الصادق وأبو شومي، كانت كالعادة بين مؤيد لفكرة الرياضة، ومتحمس لشراء دراجة، وسوف يلتحق بهما في الأيام القادمة، وبين متخوف، بسبب عدم تهيئة الطريق، وعدم تخصيص مسارات للدراجات، واعتبر أصحاب هذا الرأي أن ركوب الدراجة الهوائية في الطريق العام مجازفة، تحمل الخطر في كل خطوة.

دراجات القطيف
وأكدا أن مجموعة دراجات القطيف بها كثير من المهارات، وقالا: “هناك كثير من الشباب الملهم في مجموعة دراجات القطيف وهم يتفوقون علينا بمراحل، ومنذ إنشاء المجموعة قبل ست سنوات على يد مؤسسها الكابتن حسين العلي، ونحن نرى أبطالًا يقطعون مسافات تتجاوز المائة وخمسين كيلو مترًا أحيانًا، أي أن هناك من له باع طويل في هذه الرياضة ونحن صغيران جدًا بالنسبة لهم، ولكن كل ما نحاول نقله هو إضافة المرح على هذه الرياضة، بجعل الجولات ذات طابع ثقافي وتراثي ورياضي بنفس الوقت، عن طريق تنظيم زيارات للندوات والمهرجانات وغيرها لنشر هذه الثقافة”.

للشباب
وينصح “أبو شومي” و”الصادق” غيرهما من الشباب بخوض التجربة والاستمتاع بركوب الدراجة الهوائية، وممارسة الرياضة بشكل عام، ويقولان لكل شاب: “اخرج من صندوق الديوانيات المغلقة، واقطع التدخين وعش الحياة بصحة وعافية، فمعدلات الأمراض المزمنة في المملكة مخيفة جدًا، فلك الخيار إما أن تكون من ضمن الإحصائية أو تكون سعيدًا بصحة وعافية، لا يوجد خيار ثالث”.


error: المحتوي محمي