لشغفي بالألوان والمراسم التي أزورها في مدرسة كبار الموظفين بالظهران عندما يأخذني والدي إلى عمله فيها، أتشبع بالتأمل في تلك الأعمال والصور الفنية التي تشغل تفكيري كثيرا فلا سبيل إلا بمزاولة هذه الرؤى والانطباعات وتفريغها بالألوان تارة وعلى الرمل وعلى أشياء أصنعها وأكيفها تارة أخرى فكم لونت جدرانا ورسمت عليها بعض الأعمال.
ومن ضمن المحلات المعروفة في ‘الإنترميدت” بالظهران مطعم المرحوم عبدالله النابود صاحب الشخصية النادرة والذي له علاقات متميزة مع كبار المسؤولين في الظهران والدمام، عم الزملاء محمد معتوق النابود وهو معي من الصف الأول حتى الرابع وأخيه عبدالرزاق وهو زميل أخي محسن المصلي أبو شافي في نفس المستوى حتى السادس وهما يسبقاننا بثلاث سنوات ولأني أزاورهم بين الفينة والأخرى نتبادل اللعب أو الواجبات وغيرها.
وفي يوم من أيام سنة 1385هـ الموافق 1965م، أو قبلها وكنا في الصف الثالث، دار في ذهني ذلك العمل الجريء وأحضرت معي بعض أصابع ألوان الباستيل الشمع وفي غفلة عن الأخوان بدأت أرسم وأفرغ كل طاقاتي في كثير من جدران المطعم وكأني أريد تزيينه أو وضع لمساتي أو انطباعاتي أو أوثق تاريخ حياتي لا أعلم وقضيت وقتًا طويلًا لم أشعر بالزمن يمر.
حتى الحمام لم يسلم من التوزيعات والنقوش التي في ظني أنها ستلقى قبولا وأشكر عليها.
غير أن الرياح تسير بما لا تشتهي الفنون!
وما رأى المرحوم عبدالله النابود تلك الخطوط في جنبات مطعمه حتى استشاط غضبا شديدا وأخذ يحقق في الموضوع قائلا من عمل هذه الخرابيش ووسخ المطعم. ثم وصل إلى اسمي فعرف أنني أنا الفاعل، وهو يفضل أن يكون مطعمه في أبهى نظافته وترتيبه.
وغضب غضبا شديدا حتى إنه كلف العمال بمسح وإزالة كل الخطوط والرسوم العفنة.
وما أن التقيت بزميلي محمد في المدرسة قال لي قد أخذنا يومًا كاملًا نحك الألوان ونزيلها. وأن عمي لو رآك سيضربك وكنت أخاف منه أصلا لهيبته فهو جاد في الغالب.
فما كان مني إلا أن هجرت المطعم في حدود الشهور وإذا تأكد لي أن العم غير موجود أطل على زملائي بخوف شديد لئلا يراني وينعم بتلطيخي.
فيكفيني ما أحصل عليه من تلك الخرابيش والأعمال التي تزعج البعض وتثير البعض باستغراب شديد “كيف قمت بذلك؟”.