من له عمر لا تقتله شدة

هذه حكمة التعايش مع كل السوء الحاصل في حياتنا، وفي حقيقة الأمر، يوجد لدينا الكثير من الحزن واليأس ومحطات الخيبة والألم نعايش تفاصيلها كل يوم، هذا لا يعني أننا نخلو من لحظات نتنفس فيها محاولات النجاة بالأمل ولحظات نقتنصها من الفرح ولو قصيرة لكنها مداد الخلاص، كما يمنحنا الله تعويضات نفسية تجبر كسور الداخل وترمم بعض العطب الذي أصابنا، ما دام قضى الله لنا عمرًا أن نعيشه..

لكن منطقة الاستثمار لدينا ضعيفة أو هكذا يخيل لنا أحيانًا لفرط ما نكابده من مواجع أو غصات نتجرعها، ونحن فارغون تمامًا من الرؤية الصحيحة لمنطقية الحلول ما دمنا في دوائر الطحن التي تستهلكنا..

ما أريد قوله هنا إننا لا نستطيع أن نغير الأقدار لكننا نرسم الواقع بإمكانية مدروسة إن استوعبناها، وبعدها تستجيب الأقدار لنا.. وهذا هو المفتاح الذي نحتاجه للخروج من عمق نفق التفكير المظلم.

أي أننا يجب أن نستغل الحزن للخروج من تجربته أقوياء وبهشاشة أقل مما لو لم نتجرعه، ونتأمل التجربة ماذا صنعت بنا، كيف داهمنا الحزن فجأة وأخفقنا في انتشال بقية بهجتنا حتى أصبنا بالخيبة.. كيف يمكن أن نفقد أجمل ما نملك بسبب حدث أو أشخاص قد لا يهمهم أن نموت أو ننجو وغالبًا لا بعبأون بنا..

ولهذا عليك ألا تترك المواقف أيًا كانت لتؤثر عليك مادمت دخلتها ولو رغمًا عنك.. فماذا ستفعل إذًا؟ عليك إعادة ترميم نفسك كصاحب القرار فيها، ما دام لا خيار لديك بالتراجع وخيارك الوحيد هو الاستمرارية كفرصة للنجاة..

فمركبك سيمضي رغم أمواج التلاطمات التي لا تعرف أنت نفسك أي ريح عاتية جلبتها إليها دون أن تدري.. والبقية حين تهدأ الريح من حولك وتدرك وجهتك وتمضي متصالحًا مع نفسك رغم اضطراب الواقع من حولك، فليس لهم سوى الحسرات.. بشرط واحد أن تؤمن بنفسك وتستوعب الإطار الكلي الذي تعيشه..

والتعاطي مع الناس أيًا كانت إيقاعاتهم في حياتك ومدى السوء الذي ارتكبوه في حقك أو التشويش الذي أحدثوه في عالمك وكمية الخيبات ومستوى الفوضى التي صبغوا بها قلبك، فهذا ليس شرًا بالمطلق بل هو فرصة للمعرفة والاستزادة، فنحن لا نتعلم الحكمة من جيوب الآخرين، بل نتعلمها من جيوب الألم، مدى ما يوقعه بنا الناس من حزن، ومواقفهم المتباينة والمهزوزة في داخلنا هي من تنضجنا..

والألم هذا الذي تشعر به هو دليل على النقاء بداخلك، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فلكل خياره في رسم صورته عند الآخرين وتشويهها أو تحسينها إن رغب..
ولن تضيف لك المعرفة شيئًا إلا إذا قررتها أنت وفهمت كيف تجري الأمور حولك، وعلى أي نحو تتخذ وجهتك فيها، وما نحن بالأخير، كما ذكرت سوى حصائد تجاربنا بحلوها ومرارتها بمن عرفنا من خيرين وبمن قابلنا من زوائد حياتية أو شر أحدثوه في عالمنا.. وكما يقول تميم البرغوثي:

لابُد يا من نجوا من ألفِ مذبحةٍ.. أن تعتلوا كاهل الدُنيا وتنتصروا

إن بعض العلاقات والمشاعر والاهتمامات لا تشترى ما دمنا قد فقدناها فلنستغني عنها فهي كالزوائد تضر ولا تنفع، لكونها لم تجئنا كما نحب ونتوقع ولم تضف لنا سوى المزيد من الجلبة والحزن، وبالحياة بدائل وخيارات وهبات عظيمة ستجيئك حتمًا إن آمنت أن ما مضى لم يأخذ منك، وإنما أنت من يمكنه الإضافة لنفسك ويعطي قيمة للحياة من حوله..
فكن لحزنك فرح، وكن لقلبك حياة، وكن لنفسك كل شيء.. واستعن بالله..!


error: المحتوي محمي