إليكِ أيتها المرأة المحترمة أهدي حديثي القلبي، قائلة لك تمهلي فقراءة مقالي بصدق ورطة، أعترف مسبقًا أنني لم أدخل هذا المقال بحياد أبيض، وهو مهدى إلى كل امرأة قطيفية، لا أحد أنبل منها، فالمرأة القطيفية تستحق كل ما يكتب عنها، ما أهانها إلا لئيم وما أكرمها إلا كريم، وأتمنى أن يقرأ الرجل مقالي، ولا يمكن للقمر أن يضيء بدون الشمس، هكذا تمتزج المشاعر وتتحول إلى قوس فرح، كان يمكن لأعراض الفجر أن تكون مناسبة لإعداد هذا النص، وهنا لا أدري كيف لحرارة الشمس الحارقة أن تكون على موعد دائم لا ينتهي على أرضي، وما عاد المطر يهطل وهجرنا قوس الفرح.
رغم السنين التي انقرضت من عمري ما زلت أعتقد نفسي دون تجارب كثيرة، حيث تمر حياتي سريعًا، وعندما أهرب من الضجيج أتأمل نفسي وكياني، فتبدو لي تلك السنين الماضية كسحابة سرعان ما تتلاشى في الفراغ، ولكن في جعبتي إحساس تعلم السماء أبجدية قلبي وعقلي.
ترددت كثيرًا في الكتابة عن المرأة، غير أن صراع داخلي يصرخ، لقد حاولت أن أكتب نصًا أدبيًا عن المرأة إلا أنني كنت أفشل في محاولاتي، وهنا أعتذر من نفسي لأن قلمي لم يتشرف بذلك رغم عدة محاولاتي، منذ فترة أبت ذاكرتي أن تحصيها ولعلني لم أكترث بها يومًا، ولم تعرني هي أيضًا أي اهتمام، مر الوقت وأنا أكبل بالصمت لساني لكنني اليوم سأشرع باب ذاكرتي فليس هناك ما أخشاه.
ها أنا أشم رائحة قهوتي وكأنني من فطم توًا من ثدي الحياة، ومع صمت قهوتي يتصاعد منها البخار، حيث البعض سيلومني على تحيزي مع المرأة، وقد يجتاز الرجل المقال دون تعليق، ولعل البعض الآخر قد يهديني بسخاء تفاعله معي، ولقد أكرمتموني حتى خجلت أن أرد بعضه إليكم، هناك في الأفق تأنيث النص حتى لا يترهل ذات النص عندما أسوق كلماتي دون إحساس، ما أجمل أن تكون الأحاسيس والمشاعر متكررة لتصبح طقسًا ملزمًا، ولقد وعدت إحدى العزيزات على قلبي بشيء من الفرح، ولعلني هنا أسطر إحساس بعض النساء إن لم اقل كلهن.
أظن في لحظة تفاؤل أحمق أنه بإمكاني أن أجمع نجوم الليل في سلة كما يُجمع العنب بعد أن أخذ الليل ينشر عباءته، ولو كان بين يدي ألوان قوس قزح لما بخلت بها على مقالي هذا، غير أن السماء ساعدتني في التفاؤل، لأمتطي جواد الليل بلا صهوة وأبحث في المعجم لأرشف البوح عن ذات المرأة، ولي هنا سؤال؛ من منا يسبق الزمن، ومن منا يتقن ويجيد الكمال كي يكون قديسًا أو ملاكًا، ليعتبرها القارئ إحدى رعشات بوحي مهداة لذات المرأة.
يا ترى هل شاخ خيالي حيث ترفعت عن كتابة ما يخص بنات جنسي، أم تراجعت عن عشق إحساسي كوني امرأة! أحيانًا يتمرد قلمي على أصابعي، أظنني امرأة تعشق الوضوح، حيث لا أستطيع المكوث طويلًا خلف باب مقفل، لذا فأنا أحارب كي استمر بالسير رغم جميع الظروف، أثق وأؤمن بالعمل بصمت وهدوء وحتمًا ستظهر نتائج العمل وإن كان فرديًا نوعًا ما ويعلن عن صوته.
علينا أن نشعر نحن النساء بالفخر لأننا ننتمي لنون النسوة ولتاء التأنيث، رغم أنه لا التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر الهلال، أحترم المرأة وأناصرها لأنني امرأة ولأنني أعترف بقدرتها الإيجابية الفائقة، ولأن هذا الحب والاحترام يكاد يكون نفسيًا، دعوتي الخاصة بل أمنيتي جعل النساء قوة منتجة، وعدم الإقدام على عمل شيء منافٍ للذوق الاجتماعي، فالحس الاجتماعي حتمي وضروري، ولقد حفزتني على كتابة هذا المقال ظروف استجدت، إلا إنني تنبهت في لحظة من سويعات الحظ التي يفيق فيها فكري إلى سبب مقولة “وراء كل رجل عظيم امرأة” لماذا نهضم حق المرأة لماذا لا نقول بجانب كل رجل عظيم امرأة! أليس لنا كيان يميزنا ويشبهنا ويجعلنا في صف الرجل وإن اختلفت بعض المفاهيم!
منذ فترة أثناء حديثي مع شخصية ما لن أحدد من، طلبت مني أن أكتب عنها ما دمت صاحبة قلم، وحاصرتني وأصبحت تلح عليَّ كي أكتب عنها، وحتمًا هكذا طلب لا يوجه إلا لمن يكون هناك معرفة أو علاقة، ومن هنا أقول تسود ظاهرة اكتب عني، كيف لي أن أكتب وأنتهك مسألة المراوغة في الكتابة ولكن كيف لي أن أستجيب لهكذا طلب فلن أبيع ذاتي، وأنا هنا أتساءل وأعتقد أنه لا يحق لي ذلك أي أدب أو كتابة محكومة بعلاقة شخصية! وأنا أقول لتلك الشخصية لتكف عن هكذا مهاترات ولتكف عن النظر إلى الأدب من منطلق العلاقات، لنفتح صدورنا للجديد وللهواء النقي ولا يمكن كتابة الأدب وفق من هم الأصحاب أو المعارف، ويمكن القول هذا هو الداء السائد في المجتمع بما أن الكاتب لسان قومه كان لزامًا أن يكون حرفه نزيهًا ونكون موضوعيين.
قرأت ذات مرة؛ أنه التقى صاحب سلطان بفيلسوف أحدب الظهر، يلتقط العشب من حديقة بيته المتهالك ويأكله برضا وقناعة، فقال صاحب السلطان مخاطبًا الفيلسوف: لو خدمت السلطان لما احتجت لأكل الحشيش فرد عليه الفيلسوف مبتسمًا: وأنت لو أكلت الحشيش لما احتجت لخدمة السلطان!
تذكرت هذه الحكاية عندما بادرتني إحدى الأخوات بالسؤال الاستنكاري عن سبب بقائي فيما أنا عليه من مستوى معيشي، وعدم السعي لتطوير وتحسين نفسي ماديًا، على حد تعبيرها، ناصحة إياي بالانخراط في المكسب المادي، وأفتح لي مشروعًا ربحيًا لكي أحظى بمثل ما يحظى أصحاب المؤسسات والمشاريع، من بيت عظيم وسيارة فاخرة وما شابه ذلك، فما كان مني إلا أن أرد عليها مرحبة بالزهد والبساطة التي تأتي من بوابة القناعة والصفاء، أغمض عيني حتى لا أبالي فيما تقول تلك الأخت ولا عزاء لها.
كثيرًا ما أجدني مهزومة إذا ما اتخذت موقفًا ما محايدًا، ونادرًا ما أشعر أنني متذبذبة ودائمًا ما أشعر بالسعادة والفخر حيث أحظى بمثل ما يحظى به السعداء، ومع هذا حاولت مرارًا أن أبني لنفسي وذاتي كيانًا شامخًا خاصًا بي، آه لو كان بإمكاني هذا ما رددته لما انتهيت من الكتابة وتجرأت أن أضيف العبارة في نهاية مقالي في الصدق لا ستر ولا ستار، أنا عندما وضعت عنوان مقالي” مقال لم يكتمل” وعندما باشرت المقال فعلًا لم يكتمل بعد، ليس في هذا المقال أي كلمة من صنع الخيال وإن احتفظت باسم الشخصية التي ساومتني كي أكتب عنها، أمر غريب فعلًا، لم يسبق لي أن لا أنهي مقالي أبدًا، شاكرة للقراء التي ستقرؤني، لعل القراءة تكون إعادة خلق للنصوص القادمة بأفكار جديدة عن المرأة.
ولأنني كاتبة عند منتصف الليل أحمل هموم البعض بمشاعر صادقة وأنادي من وراء كل الحدود أنني بخير رغم كل الأوجاع، الآن أعلنت الساعة انتصاف الليل، مهلًا يا عزيزتي المرأة سأقلب ذاكرتي لعلني أجد في بقايا رأسي شيئًا ما أكتبه عنكِ كما وعدت في بداية مقالي، لا تغلقي الصفحة سيأتي يوم أجد وردة لأضعها هنا.