قبل فترة سألتني إحدى القارئات، عقب إهدائي لها كتابي المتواضع جدًا “بنت القطيف” أتـشتغلين بالأدب أم هو على هامش حياتك؟ فأجبتها قائلةً: الأدب اشتغال لدى الخارج التي يمكن للأدب فيها أن يطعم خبزًا، نحن نمرُّ على الحواشي ونترك لهم المتون. نعم أجبتها حينها بحسرة!!
كنت وما زلت أعتقد صادقةً، أنّه يكفي أن أعيش أيامي بتروٍّ كي أواصل مساري الإبداعي بمزيد من العطاء والتميُّز، وكنت أوطِّنُ نفسي على الاستمرار وأدَّعي أنّني لست متأثِّرة بكوني لم أنشر بعد أيًا من أعمالي الكتابية، وكلُّها جزء مني أحفظها مصونةً عن الإهمال والتسويق، التي يقذفها في وجهي من لا يتقن أو يقدر إحساسي أو من لا يقبل التجديد الفكري.
ولكي لا أرمي نفسي بالعجز والإدانة، لأعمم كتابي على دور للنشر الوطنية، معتقدة جازمة دون وهم أن بعض القراء يظهرون اهتمامًا ما بقراءة ما أكتبه هنا، ومن خلال كتابي المتواضع الذي أهديه لمن أشاء، وهنا أتساءل: فلمَ نكتُب؟ ولمن نكتب؟ بالرغم من كتاباتي الدفاع عن قيم ومبادئ وسلوكيات، يبدو أنّها ليست للتداول، ولا تحظى بالحد الأدنى من التحفيز، الذي لا يبدي أدنى احترام للقيمة الأدبية والفكرية والإبداعية.
وما قصدته هنا أزمة القراءة ضاربة بجذورها المهلكة في عمق أجيال، لم تصاحب ترفًا أو استغناء، في ظل كل ذلك، ما زلت أحتفي بكَ عزيزي القارئ هنا، وأحتفي في حضوركَ بقراءة مقالاتي، وأقفُ على مفترق الطّرق بين عزلة وصمت أحتاجُه لأكتب ما تحتاجه أنت شخصيًا من إبداع، وعزلةٍ يقتضيها أنّني أحترم تذوقك الأدبي في ظنِّي، وعزلةٍ أخرى أنا مجبَرَةٌ عليها لإعادة توازني الفكري، ولي فيك أيها القارئ، على الرغم من الألم، أملٌ بعد قراءتك صدق مشاعري، حيث لا للمشاعر لا للبوح لا للصدق هنا علاقة بالمجاملة.
لا أدري لماذا أشعر أحيانًا بأني أريد أن أكون منعزلة عن العالم، وأضع الشمع على أذني لأغرق في بحر مليء بالسكون وكل ما يحيط بي لأتمتع بالقراءة والكتابة، في هذا العمر تنتابني الحيرة كل يوم سببها السؤال: هل صارت الآن الأولوية في حياتي الكتابة!
وعليَّ أن أحترم الكلمة التي أكتبها، قد لا تأتي كلماتي كما أريد لها أن تكون، لكن عذري أنني جالسة في ركن مليء بالسكون، ويبدو أنك ستفهمني أيها القارئ أكثر إذا تحدثت هنا بلغة الصدق.
وهنا أستميحك العذر بذكر هذه الحكاية، فوجئ الرسام العالمي الشهير بابلو بيكاسو بأن مرسمه في باريس قد تعرض للسرقة، لكنه اكتشف أن اللص لم يسرق غير غليون وعلبة تبغ ومنفضة سجائر وجهاز راديو وأشياء بسيطة أخرى، أما اللوحات فقد تناثرت على أرضية المرسم دون أن تُسرق واحدة منها مع أن سعر أي منها يتجاوز مئات الآلاف من الدولارات، غضب بابلو بيكاسو غضبًا شديدًا، ليس لأن اللص قد سرق غليونه وتبغه! إنما لأن اللص قد استهان بلوحاته! لهذه الحكاية صلة بسؤال إحدى القارئات العزيزات ولن أزيد على ذلك.