بعد أن كان بائع آيس كريم.. العباس يروي قصة تحوله لصاحب أشهر محل عطور في الخويلدية

أربعون عامًا يبيع المسك والعطور، وروائح طيبة عتقت تلك الأزقة الضيقة في “الخويلدية”، تدلك تلك الرائحة على محل صغير اسمه “العباس”، رغم ما أصبح يحيط به من مطاعم وجبات سريعة، تطلق توابلها ورائحة زيوتها، ولكن هيهات أن يختلط المسك والعود بأي رائحة أخرى، خاصة عند أولئك السيدات اللاتي اعتدن المرور على محل العباس للسؤال عن جديد في مستحضرات التجميل أو قديم من خلطات العطور.

وتستوقفك ابتسامة السيد موفق بن جبر علوي العباس، تمامًا كما تستوقفك الروائح العطرة، ابتسامة لا تغادر وجهه أبدًا، رغم ما تحمله نفسه من ألم ووجع شخصي، فخلف هذه الابتسامة المشرقة، قلب يتألم على ابنته خديجة، ذات الثمانية أعوام، عمر ينبض بالحياة، وشقاوة الطفولة، ولكن خديجة بعيدة عن ذلك كله، عالمها ساكن، لا حركة ولا كلام، سوى قلب أب يستشعر ما تحتاجه ليلبي لها طلباتها، واضطر أن يترك وظيفته بالدفاع المدني التابع لشركة بالمطار، وأحيانًا كثيرة أن يترك محله الصغير وزبائنه، ليصطحب خديجة في رحلة علاج إلى مستشفى الملك فهد بالدمام.

ليست هذه كل التفاصيل عن أصغر محل للعطور في الخويلدية، والأشهر في المنطقة كلها، إنما خلفه وبين جدرانه، قصة كفاح تمتد لأكثر من 40 عامًا، يرويها العباس لـ«القطيف اليوم» قائلا: “بدأها الوالد؛ السيد جبر بن علوي العباس، بثلاجة صغيرة لبيع الآيس كريم والمرطبات”، وكانت علاقته طيبة بجيرانه، ومنهم أصحاب صيدلية المهنا، أبناء أبو السعود، الذين أشاروا عليه أن يبيع العطور، التي يحبها ويفهم فيها، وبالفعل استحسن مشورتهم، وبدأ بجلب العطور وخلطها، ثم توسع بضم الكريمات، ومواد التجميل، إلى أن وصل الحال إلى أن يتحول هذا المحل إلى مركز متكامل لبيع كل ما يختص بتجميل المرأة رغم صغره”.

ويرحب “العباس” بالحجيات “النساء الكبيرات”، تمامًا بنفس الحفاوة التي يستقبل بها الحفيدات، فثلاثون عامًا من عمره أمضاها مرحبًا ومهللًا بكل من تأتي إلى محله الصغير، كفيلة بجلب الزبون، فأصبحت الثقة والمعاملة الطيبة عنوانًا تدمغه السنين، وحتى بعد أن توسع مع أشقائه (محمد، وحسين، وعلوي) بافتتاح فرعين بسوق مياس، وبالزهراء، المخصص للماركات العالمية من العطور ومستحضرات التجميل، والإكسسوارات، وكل ما يلقى رواجًا بين الزبائن من مستلزمات تجميل المرأة وزينتها، إلا أن “العباس” لا يفارق دكانه الصغير، ويحرص على إحضار المنتجات من الشركات المختصة مباشرة، حتى يضمن الجودة وتقديمها لزبائنه بأسعار منافسة.

ودعنا “العباس” بابتسامة تفاؤل كما استقبلنا، ملوحًا بشعاره الذي لا يفارقه “لا يوجد أحسن من العمل”، موجهًا إياه للشباب عبر «القطيف اليوم»، مضيفًا: “لا تمدوا أيديكم للغير، واسعوا في دراستكم، حتى لا تندموا مثلي”.


error: المحتوي محمي