اعتاد البائع – الفاسد – للعصير وضع كمية من الثلج ربما تزيد عن مقدار العصير في الكأس، وبذلك فإن مصطلح «التطفيف» الوارد في سورة المطففين ربما ينطبق عليه، كما أعتقد لأنه يتلاعب بالمقدار والوزن.
المهم في الأمر هنا، أنَّ قبول المشتري بهذا النوع من الفساد هو تشجيع للفاسد ليستمر في فعله، ويمكن الادعاء جزمًا أن نسبة ليست قليلة من الفساد لم تكن لولا رضا الناس بها، وعدم وقوفهم الحازم ضد مرتكبيها، ولو كان ذلك لاختفى كأس الثلج بالعصير ونسبة قد لا تكون قليلة من معاملات الفساد.
تعددت المدارس الفلسفية في نظرتها للهدف من الحياة، الإغريق اليونانيون وعلى رأسهم أرسطو وسقراط وأفلاطون اتفقوا على أن الهدف منها هو الرخاء والرفاهية، وهو ما يصطلحون عليه بمفهوم «يودايمونيا».
الحديث عن الرخاء والرفاهية ينعطف بنا قسرًا للحديث عن الفضائل والأخلاق، التي جاءت الأديان السماوية لتؤكد على أنها السبيل الأفضل لتحقيق تلك السعادة للمجتمع ككل بشكل متوازن وليس لشخص على حساب آخر، هنا يحكم العقل بقبح كل فعل يسلب من الإنسان الفضيلة وبحُسن كل فعل يقف في وجه الرذيلة.
الفساد بكل أشكاله يسلب من الناس أو من نسبةٍ منهم شيئًا من الحياة الكريمة التي يبحثون عنها، وبذلك فإن محاربة الفساد هو عمل جماعي ليس لشخص أن يتخلف عنه، وليس من منطقة رمادية بينهما، ومن اختار الصمت فإنه من حيث يعلم أو لا يعلم ساهم بنسبة ما في استمرار الفساد وسلب شريحة من الناس تلك الحياة الكريمة التي يبحثون عنها.
أن تضيء شمعة خيرٌ من لعن الظلام، السيول تبدأ من النقط، كلمتان ومعهما كلمات كثيرة تدعم فكرة أنَّ الإنسان كوحدة واحدة لا ينبغي أن يستسلم لشيء، وإن أصبح الجميع يسير في الاتجاه الخاطئ فعليه أن يتجاهلهم ويبقى في طريقه.
يبرر البعض صمته ومسايرته للوضع السائد، أنَّ النسبة الأغلب من المجتمع لا يضيرها الثلج بالعصير ولا تكترث بالوقوف في وجه عناوين الفساد المختلفة، وبالنتيجة فإن شخصًا واحدًا لا يستطيع فعل شيءٍ ذي أثر، الجواب: كن صاحب فضيلة، وادعُ غيرك لها، وستجد حتمًا من يناصرك، ويومًا فيوم ستجد أنَّكم استطعتم فعل شيء، فكل أمر يحقق للمجتمع الخير والصلاح لابد وأن يلقى من ينافح ويؤازر على تحقيقه ولو بعد حين.
سراج أبو السعود
كاتب رأي – آراء سعودية