أصل تشريع الطلاق هو إيجاد مخرج لحالة الاختناق النفسي من كثرة المشاكل التي لا تنضب، بل يمكن وصف جحيم الكراهية الذي بلغ مأخذه بين الزوجين بأنه سير للحرائق المفتعلة والمتنقلة من زاوية إلى أخرى، قد أفقدت الطرفين القدرة على مواجهتها والتخفيف منها فضلًا عن انعدام الحيلة في وأدها.
والانفصال مرسى للنفوس التائهة المعذبة بعد أن ذاقت الأمرين في رحلة عذاب واستنزاف للطاقات، قد نضبت الطاقة العاطفية وتبخرت أسمى مشاعر الحياة وهو الحب والانجذاب للآخر، بقيا قعيدين عاجزين ومذهولين من واقع مرير لا يطاق بعد أن فقدا لب التمسك بأسمى العلاقات وهو لغة الحوار والتفاهم والانسجام الفكري والنفسي، فكأنما عفاريت الدنيا تحضر وتلتف في حلقات متتالية مع كل حديث ونقاش بينهما، فأين ما كان منهما من تسامح واعتذار وتصحيح للأخطاء وتقدير لظروف الآخر، والذي كانا ينعمان به ويضفي الانسيابية والاستقرار على حياتهما، لقد تغير المشهد وتلونت الخطورة بالاحمرار ودق ناقوس الخطر!
نعم، قد ينحسر نهر المحبة والوئام ويسفر عن أرض يبسة متصحرة، فالخلافات المتصاعدة والتي لم تلق معالجة ولا تفاهمًا ولا هدنة صلح اتجهت بهما نحو الصمت عن الطرف الآخر، وأرض الكراهية لا ينعم الزوجان عليها بسكن نفسي وارتياح وانجذاب، فعشهما الزوجي غدا أطلالًا لا تحمي من عواصف الزمن ولا ظروفه الصعبة، والاستمرارية بينهما في حياة ينشد فيها الاستقرار والانسجام أمر يصعب بشكل كبير الظفر به.
الحياة الزوجية عطاء وتفاهم وتضحية ومشاركة وجدانية، وأكثر المشاكل حلها سهل جدًا بشيء من المرونة والتسامح والاستماع لصوت الآخر وتقدير ظروفه، والمحبة بينهما لا تنشأ من قشريات أو فراغ بل هو تقدير لمواقف الآخر وإعجاب بشخصيته، وإشعار الشريك بتلك المحبة التي يكنها له والتعبير عنها بعذب الكلمات يذيب كل الإحن والخلافات ويدعوهما لفتح صفحة جديدة وطي ذاك الخلاف، وبهذه الوصفة والإيضاح لحقيقة العلاقة الزوجية يمكننا تجنب شبح الافتراق والانفصال.
والأمر المهم هو مراجعة علاقتهما ووضعها تحت مجهر الفحص والتفاهم حول نقاط الاختلاف والاعتذار عن أي إساءة غير مقصودة، وإن لم يتمكنا من وضع حل مناسب لهما يمكنهما الاستعانة بأهل التخصص لتجاوز أي مشكلة بينهما، ولكن الذي يحدث في أكثر المشاكل والخلافات بين الزوجين هو السكوت عنها حتى تتكرر وتتحول إلى تراكم سلبي خطير في المستقبل، فهذا الإهمال وتجنب تحمل المسؤولية، بدعوى طلب الهدوء والابتعاد عن صداع الرأس عند الحوار بينهما يقوض معالم الاستقرار بينهما.
كما أن الحلول المتأخرة لا تفيد في أكثر الأحيان ولا تجدي ولا تحدث انفتاحًا لحل خلافهما، وذلك أن الجرح إذا ترك بلا معالجة يتسع حتى يهلك صاحبه، وكذلك الخلافات الزوجية لا تتوقف عند حد بل تتضخم وتزداد المشاكل، وتنحسر المشاعر العاطفية حتى تصبح حياتهما جحيمًا لا يطاق، ولا يتقبل حينئذ كل واحد منهما الآخر.
لا يمكننا القول بأن الانفصال حل لكل خلاف زوجي ولا أن الصلح يؤتي ثماره في كل حالة، وذلك أن الفراق أمر الحلول ولكنه أفضل للطرفين بعد أن تبدل المشهد إلى خلافات مستمرة ونكد وكراهية، ولكننا نتمكن من تجنب المسار المجهول للخلافات وشبح الانفصال بالوقاية من آفات العلاقات الزوجية، فنحتاج إلى ثقافة الحب بين الزوجين وثقافة الحوار والانسجام والاعتذار والاهتمام بالآخر لتوقي الفرقة المرة.