بين الجودة والربحية.. هناك أجهزة فاقدة للفاعلية

لا شك أن تصنيع أجهزة فحص كاشفة، محمولة، خفيفة الوزن، سهلة الاستخدام، رخيصة الثمن، قادرة على إعطاء نتائج في ثوانٍ معدودة، شجعت ولاقت قبولًا وجذبت الكثير من الناس، وشهدت رواجًا كبيرًا في أسواقنا وعبر التسوق الإلكتروني “أون لاين”.

شاهدنا الكثير منها عبر الإعلانات الدعائية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مقاطع فيديو.
أصبح سعي شركات تصنيع هذه النوعية من الأجهزة والشركات الموزعة لها هو تحقيق المزيد من الأرباح، فهي تتفنن باستعمال أساليب وممارسات تجارية متنوعة؛ من أجل الترويج لهذه الأجهزة وتسويقها تجاريًا.. لجعلها سوقًا رائجة.

أصبح اليوم بإمكان كل شخص استخدام هذه الأجهزة للكشف على صلاحية وسلامة الغذاء؛ دون الحاجة إلى مختبرات، والوصول إلى نتائج تبنى عليها قناعة ومصداقية، ومن ثم الحكم بصلاحية الغذاء.

هذه الأجهزة في نظرنا أثارت ذعرًا وخوفًا لدى الناس من نتائج وقراءات مثيرة للحيرة والجدل، فلا هي مقنعة للمختصين والخبراء، ولا تدعمها دراسات ومعايير دقيقة.

فدقة النتائج تحقق لنا الأمان، وتجنّبنا الكثير من المخاطر والأوهام؛ كونها من أولويات سلامة غذائنا والتي هي أساس صحتنا.

إن خضوع مثل تلك الأجهزة لمعايير الدقة والجودة والسلامة هي من اختصاص عدة جهات؛ هيئة المواصفات والمقاييس، والهيئة العامة للغذاء والدواء، وبقية الجهات المعنية (وزارة البيئة والمياه والزراعة، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية)، تلكم الجهات تضع الجهاز تحت الاختبار؛ للتأكد من مطابقته لمقاييس الجودة، ولضمان فاعليته وأدائه علميًا ومخبريًا، وهذا نوع من التقييم المستمر لاستمرارية نجاحه وتداوله.

من هنا فإن طلب شهادة توثيق من جهات معتمدة لا يعني نهاية المطاف بل هناك متابعة مستمرة في حالة استعماله واختبار صلاحيته، وهذا دليل على جودة المنتج ومطابقته للمواصفات القياسية الخليجية.

(Greentes ECO)
جهاز بحجم الكف يختص بفحص النترات في الخضراوات والفواكه واللحوم والماء، وقياس كمية الإشعاع، له قاعدة بيانات لأكثر من (60) صنفًا، ويستغرق الفحص ثلاث ثوانٍ، وكل شخص لديه هذا الجهاز يضع نفسه في موقع الخبير المتخصص.

وحسب ما أعلنت بلدية دبي، أنها أجرت دراسة بين نتائج الجهاز ومقارنتها مع نتائج مختبرات الأغذية والبيئة، وكانت النتيجة وجود نسبة انحراف عالية، ونتائج غير دقيقة.

وعليه ومن خلال مشاهدتي لعدة مقاطع فيديو وتحليلي التخصصي ودراسة خصائص الجهاز عبر الإعلانات الدعائية؛ استطعت أن أخرج ببعض الملاحظات:

فيما يخص الجهاز:

• شهادة معتمدة من جهات موثوقة مطلب أساسي لتسويق الجهاز تجارياً.

• الكثير من الأجهزة الطبية والعلمية والمخبرية، لا تخلو من الغش وتصنّف بأنها أجهزة فاقدة لمعايير ومواصفات الأجهزة المعتمدة.

• تخضع جميع الأجهزة المخبرية الدقيقة لمعايرة دورية من قبل مختصين من الجهات المعتمدة، بينما الأجهزة التجارية المتداولة في السوق تفتقر للمتابعة والتقييم المستمر.

فيما يخص النتائج:

• تباين كبير في النتائج عند حقن المجس “الإبرة” في أماكن مختلفة من الثمرة، نراها تزداد بفارق كبير في عنق الثمرة.

• اختلاف القراءات عند حقن الثمرة بأكثر من جهاز؛ وهذا يعني أن كل جهاز له معايرة خاصة به.

• الجهاز يقيس داخل الثمرة ويهمل سطحها الخارجي.

• كل ثمرة تعطي قراءات مغايرة لثمرة أخرى من نفس الصنف وظروف الزراعة والتعبئة والتخزين والتداول؛ وهذا يتطلب منا مجهودًا كبيرًا في حالة فحص جميع الثمار في العبوة نفسها قبل استهلاكها.

• العيّنة المفحوصة لم تخضع لضوابط ومقاييس دولية معتمدة فهي غير ممثلة لكامل الإرسالية.

فيما يخص المادة الملوثة:

• النترات تتركز أكثر على السطح الخارجي للثمرة، بينما الجهاز يقيس النسيج الداخلي فقط، علمًا بأن الغسيل والنقع والمطهرات تقلل من نسبة تركيز النترات.

• تعتبر النترات من المغذيّات الضرورية للمحاصيل الزراعية، والخطورة تكمن في زيادة تركيزها في التربة عن طريق إضافة الأسمدة النتروجينية والعضوية، ومحتواها في مياه الري، ومن ثم تنتقل إلى الأوراق والثمار، فتتحول بدورها إلى ملوثات داخل جسم الإنسان عندما تختزل النترات NO3 إلى نيتريت NO2 الضارة بالصحة، وهذا حال معظم العناصر المغدية والملوثة للتربة.

والخلاصة أن شراء أجهزة فحص من الأسواق التجارية وليس من شركات معتمدة متخصصة بالأجهزة العلمية والطبية يضعنا أمام تساؤلات عدة منها:
لا نستطيع التوصل إلى معرفة خصائصها الفعالة – والاطلاع على الأذن بالتسويق – والدراسات الدقيقة التي أجريت عليها – وسؤال المختصين عنها – وشهادة الإعتماد المرافقة معها – وضمان التدريب والدعم الفني والمعلوماتي والصيانة – ومراقبة تطبيق الإجراءات والمعايير والتعليمات والاشتراطات التي تضمن سلامة الجهاز – والالتزام بكافة المتطلبات الآمنة، دونها تعتبر الإجراءات غير فاعلة
والدليل وجود تلك الانحرافات والقراءات المتعددة – فلا ننساق وراء كل اكتشاف جديد لا نعرف جدواه ولا نسأل المختصين عنه.

وأخيرًا فإن السبيل الوحيد لإزالة تلك الهواجس والتحذيرات هو قيام أجهزة الرقابة والتفتيش في الهيئة العامة للغذاء والدواء، ذات الإمكانيات المتطورة من أجهزة دقيقة وحساسة ومختصين ذوي كفاءات عالية بالفحص والتحليل والتي من خلالها نثبت خلو الثمار من الملوثات والكيماويات الضارة بالصحة، وضبط السوق ومنع تدفق الأجهزة التجارية المغشوشة والمقلدة.

منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي