من منكم بلا خطيئة؟

رسمٌ على الجدران، وشمٌ على الأذرع، قصات الشعر ومخالفة المعتاد كلها مظاهر من فيضِ طاقات الشباب، يعجز أن يكبتهَا ويخفيها الصبيانُ والصبايا. في كل جيلٍ شيء جديد، الستينات والسبعينات والثمانينات، وما بعدها وما قبلها، سنواتٌ عشرية تستدرج الشبابَ وتستهويهم فيها أنماطٌ جديدةٌ من الملابسِ والفنون، والأكل والمظاهر الشخصية، لكنهم لا يلبثون أن يخرجوا منها نحو الجدية والانتظام فيما يعده من هو أكبر منهم السلوك اللائق.

يتقدم العمر بكل جيلٍ فينسى كيف كان سلوكه! كان شاباً يتمرد على كلِّ شيء، الوالدين والمدرسة والمجتمع والقانون العام ويرتكب كل الأخطاء والجرائرْ، والواقع هو أن قلة قليلة من الشبابِ لا تتمرد ولا تستمتع بالحياةِ خارج المعتاد في كلِّ جيل. قبل الثمانينات من القرن الماضي كانت مظاهر تمرد كل جيل تنحصر في جغرافيته، وبعد هبوبِ رياح الانفتاحِ على المجتمعاتِ الأخرى لم يعد يستطيع أي مجتمعٍ أن يحتفظَ بخصائصه وأن يعطيَ نفسه حصانةً من تسربِ سلوكيات ونمط عيش المجتمعاتِ الأخرى القريبة والبعيدة عنه.

ادعاء النقاوة في سلوكياتِ الماضي وإلصاق كل الخطايا بالجيلِ المعاصر يشبه قيادةَ الحافلة والنظر في المرآة الخلفية في آنٍ واحد، قيادة تحرف النظرَ عن رؤيةِ القيمِ الثابتة إلى النظر إلى العاداتِ والسلوكيات المتغيرة بتغير نمط حياة البشر. بين مقولة: “من كان منكم بلا خطيئةٍ فليرمها بأولِ حجر”، وبين الأماني أن يبنيَ كلُّ جيل على الخصائصِ الإيجابية التي بناها من سبقه في تكاملٍ بشري لا محدود، يجب معرفة حدود ما على الناشئ أن يلتزمَ به وإعطاؤه فرصةَ إظهار رغباته المشروعة وتفهمه لما يتوقعه المجتمعُ من الانتظامِ في السلوكيات المتعارف عليها.

شيمٌ وقيم  تُعرِّف المجتمعات بها نفسها، كل جيل يظن أنه الحارس لها والمطلوب منه حمايتها. ولكن الشاب الذي يأتي بعده يقول: ما عاشه ومَثَّله أسلافي من قيمٍ وعاداتٍ متحركة تلزم أسلافي ولا تلزمني. وبعدما يكبر ينظر لمن يخلفه وكأنه الجيل الذي يهدم القيمَ التي كان هو من يحرسها! هكذا هي الحياة في كل فترةٍ من الزمنِ تفترق فيه أجيالٌ وتختلف فيه قيم، وليس كل اختلاف سلبي يستجلب الصياح، إذ كثير من الاختلافِ بين الأجيال فيه البداعة والجمال.


error: المحتوي محمي